فهو بمنزلة المشهورين في الرواية، لانهم ما كانوا متهمين بالتقصير في أمر الدين، وما كانوا يقبلون الحديث حتى يصح عندهم أنه يروى عن رسول الله (ص)، فإما أن يكون قبولهم لعلمهم بعدالته وحسن ضبطه، أو لأنه موافق لما عندهم مما سمعوه من رسول الله (ص) أو من بعض المشهورين يروى عنه.
وكذلك إن سكتوا عن الرد بعد ما اشتهر روايته عندهم، لان السكوت بعد تحقق الحاجة لا يحل إلا على وجه الرضا بالمسموع، فكان سكوتهم عن الرد دليل التقرير، بمنزلة ما لو قبلوه وردوا عنه. وكذلك ما اختلفوا في قبوله وروايته عنه عندنا، لأنه حين قبله بعض الفقهاء المشهورين منهم فكأنما روى ذلك بنفسه. وبيان هذا في حديث معقل بن سنان أن رسول الله (ص) قضى لبروع بنت واشق الأشجعية بمهر مثلها حين مات عنها زوجها ولم يسم لها صداقا فإن ابن مسعود رضي الله عنه قبل روايته وسر به لما وافق قضاءه قضاء رسول الله (ص)، وعلي رضي الله عنه رده فقال: ماذا نصنع بقول أعرابي بوال على عقبه حسبها الميراث لا مهر لها. فلما اختلفوا فيه في الصدر الأول أخذنا بروايته، لان الفقهاء من القرن الثاني كعلقمة ومسروق والحسن ونافع بن جبير قبلوا روايته فصار معدلا بقبول الفقهاء روايته. وكذلك أبو الجراح صاحب راية الأشجعيين صدقه في هذه الرواية. وكأن عليا رضي الله عنه إنما لم يقبل روايته لأنه كان مخالفا للقياس عنده، وابن مسعود رضي الله عنه قبل روايته لأنه كان موافقا للقياس عنده. فتبين بهذا أن رواية مثل هذا فيما يوافق القياس يكون مقبولا ثم العمل يكون بالرواية. وأما إذا ردوا عليه روايته ولم يختلفوا في ذلك فإنه لا يجوز العمل بروايته، لانهم كانوا لا يتهمون برد الحديث الثابت عن رسول الله (ص) ولا بترك العمل به وترجيح الرأي بخلافه عليه، فاتفاقهم على الرد دليل على أنهم كذبوه في هذه الرواية وعلموا أن ذلك وهم منه. ولو قال الراوي أوهمت لم يعمل بروايته، فإذا ظهر دليل ذلك ممن هو فوقه أولى. وبيان هذا في حديث فاطمة بنت قيس، فإن عمر رضي الله عنه قال: لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت. قال عيسى