فصل: بيان الانقطاع ووجوه الانقطاع أربعة: أحدها - وهو أظهرها - السكوت على ما أخبر الله به عن اللعين عند إظهار الخليل (ص) حجته بقوله: * (فبهت الذي كفر) *.
والثاني: جحد ما يعلم ضرورة بطريق المشاهدة، لان سعي المعلل ليجعل الغائب كالشاهد، والعلم بالمشاهدات يثبت ضرورة، فإذا اشتغل الخصم بجحد مثله علم أنه ما حمله على ذلك إلا عجزه عن دفع علة المعلل، فكان انقطاعا.
والثالث: المنع بعد التسليم، فإنه يعلم أنه لا شئ يحمله على المنع بعد التسليم إلا عجزه عن الدفع لما استدل به خصمه. ولا يقال يحتمل أن يكون تسليمه عن سهو أو غفلة، لان عند ذلك يبين وجه الدفع بطريق التسليم ثم يبنى عليه استدراك ما سها فيه، فأما أن يرجع عن التسليم إلى المنع من غير بيان الدفع بطريق التسليم فذلك لا يكون إلا للعجز.
والرابع: عجز المعلل عن تصحيح العلة التي قصد إثبات الحكم بها حتى انتقل منها إلى علة أخرى لاثبات الحكم، فإن ذلك انقطاع، لان حكم الانقطاع مقتضب من لفظه، وهو قصور المرء عن بلوغ مغزاه، وعجزه عن إظهار مراده ومبتغاه. وهذا العجز نظير العجز ابتداء عن إقامة الحجة على الحكم الذي ادعاه، والله أعلم.
باب: أقسام الاحكام وأسبابها وعللها وشروطها وعلاماتها اعلم أن جملة ما ثبت بالحجج الشرعية الموجبة للعلم بما تقدم ذكرها قسمان: الاحكام المشروعة وما يتعلق بها المشروعات. فنبدأ ببيان قسم الاحكام فنقول: هذه الأحكام أربعة: حقوق الله خالصا، وحقوق العباد خالصا أيضا، وما يشتمل على الحقين وحق الله فيه أغلب، وما يشتمل عليهما وحق العباد فيه أغلب.