وأرأيت. قلنا: أما القول بالرأي عن أبي بكر رضي الله عنه فهو أشهر من أن يمكن إنكاره، لأنه قال في الكلالة: أقول قولا برأيي، فإن يك صوابا فمن الله، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان. وما رووا عنه قد اختلفت فيه الرواية فقال في بعضها: إذا قلت في كتاب الله تعالى بخلاف ما أراد الله. ولئن ثبت ما رووا فإنما استبعد قوله بالرأي فيما فيه نص بخلاف النص، وهذا لا يجوز منه ولا من غيره ولا يظن به. وأما عمر رضي الله عنه: فالقول عنه بالرأي أشهر من الشمس، وبه يتبين أن مراده بذم الرأي عند مخالفة النص أو الاعراض عن النص فيما فيه نص والاشتغال بالرأي الذي فيه موافقة هوى النفس، وإلى ذلك أشار في قوله: أعيتهم السنة أن يحفظوها. والقول بالرأي عن علي رضي الله عنه مشهور، فإنه قال: اجتمع رأيي ورأي عمر على حرمة بيع أمهات الأولاد ثم رأيت أن أرقهن. وبهذا يتبين أن مراده بقوله: لو كان الدين بالرأي: أصل موضوع الشرع، وبه نقول، فإن أصل أحكام الشرع غير مبني على الرأي ولهذا لا يجوز إثبات الحكم به ابتداء. وقد اشتهر القول بالرأي عن ابن مسعود حيث قال في المفوضة: أجتهد رأيي. فعرفنا أن مراده ذم السؤال على وجه التعنت بعدما يتبين الحق أو التكلف فيما لا يحتاج المرء إليه، وهو نظير قوله عليه السلام: ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم والآثار التي ذكرها محمد في أول أدب القاضي كلها دليل على أنهم (كانوا) مجمعين على العمل بالرأي، فإنه بدأ بحديث عمر حين كتب إلى أبي موسى: إعرف الأمثال والأشباه وقس الأمور عند ذلك. وذكر عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لقد أتى علينا زمان لسنا نسأل ولسنا هنالك.
الحديث. فاتضح بما ذكرنا اتفاقهم على العمل بالرأي في أحكام الشرع.
فأما من طعن في السلف من نفاة القياس لاحتجاجهم بالرأي في الاحكام فكلامه كما قال الله تعالى: * (كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا)