أو للجهل منه بفقه الشريعة، ثم تبعه على هذا القول بعض المتكلمين ببغداد، ولكنه تحرز عن الطعن في السلف فرارا من الشنعة التي لحقت النظام، فذكر طريقا آخر لاحتجاج الصحابة بالقياس هو دليل على جهله، وهو أنه قال: ما جرى بين الصحابة لم يكن على وجه الاحتجاج بالقياس وإنما كان على وجه الصلح والتوسط بين الخصوم وذكر المسائل لتقريب ما قصدوه من الصلح إلى الافهام. وهذا مما لا يخفى فساده على من تأمل أدنى تأمل فيما نقل عن الصحابة في هذا الباب. ثم نشأ بعده رجل متجاهل يقال له داود الأصبهاني فأبطل العمل بالقياس من غير أن وقف على ما هو مراد كل فريق ممن كان قبله، ولكنه أخذ طرفا من كل كلام ولم يشتغل بالتأمل فيه ليتبين له وجه فساده، قال: القياس لا يكون حجة، ولا يجوز العمل به في أحكام الشرع وتابعه على ذلك أصحاب الظواهر الذين كانوا مثله في ترك التأمل، وروى بعضهم هذا المذهب عن قتادة ومسروق وابن سيرين، وهو افتراء عليهم، فقد كانوا أجل من أن ينسب إليهم القصد إلى مخالفة رسول الله (ص) وأصحابه فيما هو طريق أحكام الشرع بعد ما ثبت نقله عنهم.
ثم قال بعض نفاة القياس: دلائل العقل لا تصلح لمعرفة شئ من أمور الدين بها والقياس يشبه ذلك. وقال بعضهم: لا يعمل بالدلائل العقلية في أحكام الشرع أصلا وإن كان يعمل بها في العقليات. وقال بعضهم: لا يعمل بها إلا عند الضرورة ولا ضرورة في أحكام الشرع لامكان العمل بالأصل الذي هو استصحاب الحال. وهذا أقرب أقاويلهم إلى القصد فيحتاج في تبين وجه الفساد فيه إلى إثبات أن القياس حجة أصلية في تعدية الاحكام لا حجة ضرورية، وإلى أنه مقدم في الاحتجاج به على استصحاب الحال. ولكن نبدأ ببيان شبهتهم، فإنهم استدلوا بظاهر آيات من الكتاب، منها قوله تعالى: * (أو لم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم) * وفي المصير إلى الرأي لاثبات حكم في محل قول بأن الكتاب غير كاف. وقال