يكون دليل صحة العلة. والدليل على أن وجود الحكم عند عدم العلة لا يكون دليل فساد العلة اتفاق الكل على أن الحكم يجوز أن يكون ثابتا في محل بعلل، ثم بانعدام بعضها لا يمتنع بقاء الحكم بالبعض الذي هو باق، كما لا يمتنع ثبوت الحكم ابتدا بتلك العلة، وبهذا يتبين أنه لا بد من القول بأنه لا ينعدم الحكم إلا بانعدام جميع العلل التي كان الحكم ثابتا بكل واحد منها، فعرفنا أن وجود الحكم عند عدم العلة لا يكون دليل فسادها، وفساد القول بأن دليل صحة العلة دوران الحكم معه وجودا وعدما كالمتفق عليه، فإن القائسين اتفقوا أن علة الربا أحد أوصاف الأصل، وادعى كل واحد منهم أن الصحيح ما ذهب إليه، ومعلوم أن كل قائل يمكنه أن يستدل على صحة علته بدوران الحكم معه وجودا وعدما. وكذلك لو قال إن العلة في تكفير المستحل للخمر معنى الشدة والمرارة كان ذلك فاسدا بالاتفاق، فإن أحدا لا يقول بتكفير مستحل سائر الأشربة مع وجود الشدة والمرارة. ثم هذا القائل يتمكن من تصحيح قوله بدوران الحكم معه وجودا وعدما، فإن العصير قبل أن يتخمر لا يكفر مستحله، وبعد التخمر يكفر مستحله لوجود الشدة والمرارة، ثم بعد التحلل لا يكفر مستحله لانعدام الشدة والمرارة، إلا أن يقول بتخصيصه وقد قامت الدلالة على فساد القول بتخصيص العلل الشرعية على ما نبينه إن شاء الله تعالى، فيفسد به أيضا القول بتخصيص ما هو دليل صحة العلة، لان ذلك حجة شرعية ثابتة بطريق الرأي.
فإن قيل: مثل هذا يلزم القائلين بأن دليل صحة العلة الأثر، فإن الحكم يدور مع العلة المأثورة وجودا وعدما عند من لا يجوز تخصيص العلة وهو الصحيح. قلنا: نعم ولكن لا نجعل الدوران دليل صحة العلة، وإنما نجعل كونه مؤثرا في الأصول دليل صحة العلة ولا يتحقق معنى دوران الحكم مع هذا الأثر في جميع الأصول، فأما دوران الحكم مع العلة وجودا وعدما يكون اتفاقا.
فأما الذين قالوا من أصحاب الشافعي: بأن الأثر الذي هو دليل صحة