القياس في معارضة النص بإبطال حكمه لا يعتبر في ممارسته بإبطال لفظه. وفي بعض هذه الفصول يخالفنا الشافعي رحمه الله على ما نبينه.
فأما المثال الأول وهو أن العدد معتبر في الشهادات المطلقة بالنص، وقد فسر الله تعالى الشاهدين برجلين أو رجل وامرأتين وذلك تنصيص على أدنى ما يكون من الحجة لاثبات الحق، ثم خص رسول الله (ص) خزيمة رضي الله عنه بقبول شهادته وحده، فكان ذلك حكما ثبت بالنص اختصاصه به كرامة له، فلم يجز تعليله أصلا حتى لا يثبت ذلك الحكم في شهادة غير خزيمة ممن هو مثله أو دونه أو فوقه في الفضيلة لان التعليل يبطل خصوصيته.
وكذلك رسول الله (ص) كان مخصوصا بأن حل له تسع نسوة فقد ثبت بالنص أن الحل بالنكاح يقتصر على الأربعة ثم ظهرت خصوصية رسول الله عليه الصلاة والسلام بالزيادة بنص آخر فلم يكن ذلك قابلا للتعليل.
وكذلك ظهرت خصوصيته بالنكاح (بغير مهر بالنص فلم يكن ذلك قابلا للتعليل. وقال الشافعي: قد ظهرت خصوصيته بالنكاح) بلفظ الهبة بالنص وهو قوله تعالى: * (خالصة لك من دون المؤمنين) * فلم يجز التعليل فيه لتعدية الحكم إلى نكاح غيره. ولكنا نقول: المراد بالنص الموجب للتخصيص ملك البضع نكاحا بغير مهر، فإنه ذكر فعل الهبة وذلك يقتضي مصدرا، ثم قوله تعالى: * (خالصة لك) * نعت ذلك المصدر: أي إن وهبت نفسها للنبي هبة خالصة، بدليل قوله تعالى: * (قد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم) *: أي من الابتغاء بالمال المقدر، فالفرض عبارة عن التقدير وذلك في المال يكون لا في لفظ النكاح والتزويج، أو المراد اختصاصه بالمرأة حتى لا تحل لأحد بعده فيتأدى هو بكون الغير شريكا له في فراشها من حيث الزمان، وعليه دل قوله تعالى: * (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) * ألا ترى أن معنى الكرامة بالاختصاص إنما تظهر فيما يتوهم فيه الحرج بإلزامه إياه وذلك