من كتبهم فإنه لا يجب اتباعه لقيام دليل موجب للعلم على أنهم حرفوا الكتب، فلا يعتبر نقلهم في ذلك لتوهم أن المنقول من جملة ما حرفوا، ولا يعتبر فهم المسلمين ذلك مما في أيديهم من الكتب لجواز أن يكون ذلك من جملة ما غيروا وبدلوا. والدليل على أن المذهب هذا أن محمدا قد استدل في كتاب الشرب على جواز القسمة بطريق المهايأة في الشرب بقوله تعالى: * (ونبئهم أن الماء قسمة بينهم) * وبقوله تعالى: * (هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم) * وإنما أخبر الله تعالى ذلك عن صالح عليه السلام، ومعلوم أنه ما استدل به إلا بعد اعتقاده بقاء ذلك الحكم شريعة لنبينا عليه السلام. واستدل أبو يوسف على جريان القصاص بين الذكر والأنثى بقوله تعالى: * (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) * وبه كان يستدل الكرخي على جريان القصاص بين الحر والعبد والمسلم والذمي، والشافعي في هذا لا يخالفنا، وقد استدل برجم النبي (ص) اليهوديين بحكم التوراة، كما نص عليه بقوله أنا أحق من أحيا سنة أماتوها على وجوب الرجم على أهل الكتاب وعلى أن ذلك صار شريعة لنبينا. ونحن لا ننكر ذلك أيضا ولكنا ندعي انتساخ ذلك بطريق زيادة شرط الاحصان لايجاب الرجم في شريعتنا، ولمثل هذه الزيادة حكم النسخ عندنا. وبين المتكلمين اختلاف في أن النبي عليه السلام قبل نزول الوحي (عليه) هل كان متعبدا بشريعة من قبله؟ فمنهم من أبى ذلك، ومنهم من توقف فيه، ومنهم من قال كان متعبدا بذلك، ولكن موضع بيان هذا الفصل أصول التوحيد، فإنا نذكر ههنا ما يتصل بأصول الفقه.
فأما الفريق الأول قالوا: صفة الاطلاق في الشئ يقتضي التأبيد فيه إذا كان محتملا للتأبيد، فالتوقيت يكون زيادة فيه لا يجوز إثباته إلا بالدليل، ثم الرسول الذي كان الحكم شريعة له لم يخرج من أن يكون رسولا برسول آخر بعث بعده، فكذلك شريعته لا تخرج من أن تكون معمولا بها وإن بعث بعده رسول آخر ما لم يقم دليل النسخ فيه، ألا ترى أن علينا الاقرار بالرسل كلهم، وإلى ذلك وقعت الإشارة في قوله تعالى: * (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته