فصل: في بيان المعارضة بين النصوص وتفسير المعارضة وركنها وحكمها وشرطها قال رضي الله عنه: اعلم بأن الحجج الشرعية من الكتاب والسنة لا يقع بينهما التعارض والتناقض وضعا، لان ذلك من أمارات العجز والله يتعالى عن أن يوصف به، وإنما يقع التعارض لجهلنا بالتاريخ، فإنه يتعذر به علينا التمييز بين الناسخ والمنسوخ، ألا ترى أن عند العلم بالتاريخ لا تقع المعارضة بوجه ولكن المتأخر ناسخ للمتقدم، فعرفنا أن الواجب في الأصل طلب التاريخ ليعلم به الناسخ من المنسوخ، وإذا لم يوجد ذلك يقع التعارض بينهما في حقنا من غير أن يتمكن التعارض فيما هو حكم الله تعالى في الحادثة، ولأجل هذا يحتاج إلى معرفة تفسير المعارضة، وركنها، وشرطها، وحكمها.
فأما التفسير: فهي الممانعة على سبيل المقابلة. يقال: عرض لي كذا: أي استقبلني فمنعني مما قصدته، ومنه سميت الموانع عوارض، فإذا تقابل الحجتان على سبيل المدافعة والممانعة سميت معارضة.
وأما الركن: فهو تقابل الحجتين المتساويتين على وجه يوجب كل واحد منهما ضد ما توجبه الأخرى، كالحل والحرمة والنفي والاثبات، لان ركن الشئ ما يقوم به ذلك الشئ، وبالحجتين المتساويتين تقوم المقابلة إذا لا مقابلة للضعيف مع القوي.
وأما الشرط: فهو أن يكون تقابل الدليلين في وقت واحد وفي محل واحد، لان المضادة والتنافي لا يتحقق بين الشيئين في وقتين ولا في محلين حسا وحكما. ومن الحسيات الليل والنهار لا يتصور اجتماعهما في وقت واحد، ويجوز أن يكون بعض الزمان نهارا والبعض ليلا، وكذلك السواد مع البياض مجتمعان في العين في محلين ولا تصور لاجتماعهما في محل واحد. ومن الحكميات النكاح فإنه يوجب الحل في المنكوحة والحرمة في أمها وبنتها، ولا يتحقق التضاد بينهما في محلين حتى صح إثباتهما بسبب واحد. والصوم يجب في وقت والفطر في وقت آخر ولا يتحقق