العلة أن يكون مخيلا، حجتهم أن هذا الأثر مما لا يحس بطريق الحس ولكنه يعقل فيكون طريق الوقوف عليه تحكيم القلب، حتى إذا تخايل في القلب به أثر القبول والصحة كان ذلك حجة للعمل به، بمنزلة التحري في باب القبلة عند انقطاع سائر الأدلة، فإن تحكيم القلب فيه جائز ويجب العمل بما يقع في قلب من ابتلي به من أنه جهة الكعبة، وعليه دل قول رسول الله (ص) لوابصة بن معبد رضي الله عنه: ضع يدك على صدرك واستفت قلبك، فما حك في صدرك فدعه وإن أفتاك الناس به فعرفنا أن العدالة تحصل بصفة الا خالة ثم العرض على الأصول بعد ذلك احتياط والعمل به قبله جائز، بمنزلة ما لو كان الشاهد معلوم العدالة عند القاضي فإن العمل بشهادته جائز له، والعرض على المزكين بعد ذلك نوع احتياط، فإن لم يعجل ورجع إلى المزكين فهو احتياط أخذ به لجواز أن يظهر له بالرجوع إليهم ما لم يكن معلوما له، قال: وهذا بخلاف شهادة الشاهد فإن بصفة الصلاحية هناك لا تثبت العدالة، لان الشاهد مبتلى بالامر والنهي، وهو أمين فيما اؤتمن من حقوق الشرع، ويتوهم منه أداء الأمانة فيكون عدلا به والخيانة فلا يكون عدلا معه، وإذا لم يكن أداء الأمانة منه معلوم القاضي لا يصير عدلا عنده ما لم يعرض حاله على المزكين. فأما الوصف الذي هو علة بعدما علم صفة الصلاحية فيه تصير عدالته معلومة إذ ليس فيه توهم الخيانة، فلهذا كان العرض على الأصول هنا احتياطا، فإن سلم عما يناقضه ويعارضه بكونه مطردا في الأصول فحكم وجوب العمل به يزداد وكادة، وإن ورد عليه نقض فذلك النقض جرح، بمنزلة الشاهد الذي هو معلوم العدالة إذا ظهر فيه طعن من بعض المزكين، فإن ذلك يكون جرحا في عدالته إلا أن يتبين له أنه لم يكن عدلا، والمعارضة دفع بمنزلة شاهد آخر يشهد بخلاف ما شهد به العدل.
وأما الفريق الثاني فإنهم قالوا: كونه مخيلا أمر باطن لا يمكن إثباته