أن الصدقة من أوساخ الناس لكونها مطهرة من الذنوب فهي كالغسالة المستعملة، والامتناع من شرب ذلك يكون بطريق الاخذ بمعالي الأمور، فكذلك حرمة الصدقة على بني هاشم يكون على وجه التعظيم والاكرام لهم ليكون لهم خصوصية بما هو من معالي الأمور. وكذلك الصحابة حين اختلفوا في الجد مع الاخوة اشتغلوا بالتعليل لاظهار صفة القرب بالوادي الذي تتشعب منه الانهار والشجرة التي ينبت منها الأغصان، وما ذلك إلا باعتبار المؤثر في العلم بتفاوت القرب بطريق محسوس، وابن عباس علل في ذلك بقوله: ألا يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ولا يجعل أب الأب أبا. فهو استدلال المؤثر من حيث اعتبار أحد الطرفين بالطرف الآخر في القرب. وقال عمر لعبادة بن الصامت حين قال: ما أرى النار تحل شيئا في الطلاء أليس يكون خمرا ثم يكون خلا فتشربه، فهذا استدلال بمؤثر وهو التغيير بالطباع. وعلل محمد في كتاب الطلاق فيمن قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثا ثم طلقها ثلاثا أن اليمين لا يبقى، لأنه ذهب تطليقات ذلك الملك كله، وهذا تعليل بوصف مؤثر، فإن اليمين لا تنعقد إلا في الملك باعتبار تطليقات مملوكة أو مضافة إلى الملك، والإضافة إلى الملك لم توجد هنا، فعرفنا أنها انعقدت على التطليقات المملوكة، وقد أوقع كلها والكل من كل شئ لا يتصور فيه تعدد، فعرفنا أنه لم يبق شئ من الجزاء واليمين شرط وجزاء، فكما لا يتصور انعقادها بدون الجزاء لا يتصور بقاؤها إذا لم يبق شئ من الجزاء. وقال أبو حنيفة رحمه الله فيمن اشترى قريبه مع غيره حتى عتق نصيبه منه لا يضمن لشريكه شيئا، لان شريكه رضي بالذي وقع به العتق بعينه، يعني ملك القريب الذي هو متمم لعلة العتق، وهذا تعليل بوصف مؤثر، فإن ضمان العتق إنما يجب بالافساد أو الاتلاف لملك الشريك فيكون واجبا بطريق الجبران له ورضاه بالسبب يغني عن الحاجة إلى الجبران، لان الحاجة إلى ذلك لدفع الضرر عنه وقد اندفع ذلك حكما حين رضي به كما لو أذن له نصا أن يعتقه. وقال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله فيمن أودع صبيا مالا فاستهلكه
(١٨٨)