بعد الوجوب إذا أسلم باعتبار معنى العقوبة لمعارضة معنى المئونة إياه. وأما العشر ففيه معنى العبادة على معنى أنه مصروف إلى الفقير كالزكاة، وقد بينا أن بواسطة هذا المصروف يثبت فيه معنى القربة وإن كان وجوبه باعتبار مئونة الأرض، ولهذا يجب في الأراضي النامية من غير اشتراط المالك لها نحو الأراضي الموقوفة وأرض المكاتب، ولهذا قال أبو حنيفة رضي الله عنه: إذا تحولت الأرض العشرية إلى ملك الذمي تصير خراجية، لان فيها معنى العبادة والكافر ليس من أهل العبادة أصلا، وكل واحد منهما واجب بطريق المئونة فعند تعذر أحدهما يتعين الآخر، والخراج يبقى وظيفة الأرض بعد انتقال الملك فيها إلى المسلم، لان المسلم من أهل أن توجب عليه المئونة التي فيها معنى العقوبة، فإنه بعد الاسلام أهل لالزام العقوبة عند تقرر سببها منه، والكافر ليس بأهل العبادة أصلا، فالأهلية للعبادة تبتنى على الأهلية لثوابها. وقال أبو يوسف رحمه الله: يتضاعف العشر على الكافر اعتبارا بالصدقات المضاعفة في حق بني تغلب. وأبى هذا أبو حنيفة رحمه الله، لان التضعيف حكم ثابت بخلاف القياس بإجماع الصحابة في قوم بأعيانهم، وغيرهم من الكفار ليسوا بمنزلتهم، فأولئك لا تؤخذ منهم الجزية، وغيرهم من الكفار تؤخذ منهم الجزية. ومحمد رحمه الله يقول: تبقى عشرية كما كانت، لان البقاء باعتبار معنى المئونة كالخراج في حق المسلم.
ثم عنه روايتان في مصرف هذا العشر: في إحداهما يصرف إلى المقاتلة كالخراج لاعتبار معنى المئونة الخالصة (وفي الأخرى تكون مصروفة إلى الفقراء والمساكين، لأنها لما بقيت باعتبار معنى المئونة تبقى) على ما كانت مصروفة إلى من كانت مصروفة إليه قبل هذا كالخراج في حق المسلم.
وأما الحق القائم بنفسه فنحو خمس الغنائم والمعادن والركاز، فإنه لا يكون واجبا ابتداء على أحد، ولكن باعتبار الأصل الغنيمة كلها لله تعالى، كما قال تعالى: * (قل الأنفال لله) * وهذا لأنها أصيبت لاعلاء كلمة الله تعالى، إلا أن الله تعالى جعل أربعة أخماسها للغانمين على سبيل المنة عليهم، فبقي الخمس له كما