في حقه وإن عقل ما لم يعتدل حاله بالبلوغ، فإن باعتبار عقله يصحح الأداء منه وصحة الأداء تستدعي كون الحكم مشروعا ولا تستدعي كونه واجب الأداء، فعرفنا بهذا أن حكم الوجوب وهو وجوب الأداء معدوم في حقه (وقد بينا أن الوجوب لا يثبت باعتبار السبب والمحل بدون حكم الوجوب) إلا أنه إذا أدى يكون المؤدي فرضا، لان بوجود الأداء صار ما هو حكم الوجوب موجودا بمقتضى الأداء (وإنما لم يكن الوجوب ثابتا لانعدام الحكم فإذا صار موجودا بمقتضى الأداء) كان المؤدى فرضا، بمنزلة العبد فإن وجوب الجمعة في حقه غير ثابت، حتى إنه إن أذن له المولى أو حضر الجامع مع المولى كان به أن لا يؤدي، ولكن إذا أدى كان المؤدى فرضا، لان ما هو حكم الوجوب صار موجودا بمقتضى الأداء، وإنما لم يكن الوجوب ثابتا لانعدام حكمه. وكذلك المسافر إذا أدى الجمعة كان مؤديا للغرض مع أن وجوب الجمعة لم يكن ثابتا في حقه قبل الأداء بالطريق الذي ذكرنا، والله أعلم.
فصل: في بيان أهلية الأداء قال رضي الله عنه: هذه الأهلية نوعان: قاصرة وكاملة فالقاصرة باعتبار قوة البدن، وذلك ما يكون للصبي المميز قبل أن يبلغ، أو المعتوه بعد البلوغ فإنه بمنزلة الصبي من حيث إن له أصل العقل وقوة العمل بالبدن وليس له صفة الكمال في ذلك حقيقة ولا حكما. والكاملة تبتنى على قدرتين: قدرة فهم الخطاب وذلك يكون بالعقل، وقدرة العمل به وذلك بالبدن. ثم يبتنى على الأهلية القاصرة صحة الأداء، وعلى الكاملة وجوب الأداء وتوجه الخطاب به، لان الله تعالى قال: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * وقبل التمييز والتمكن من الأداء لا وجه لاثبات التكليف بالأداء، لأنه تكليف ما لا يطاق وقد نفى الله تعالى ذلك بهذه الآية، ولا تصور للأداء على الوجه المشروع وهو