وهذا تصريح بأن كل مجتهد مصيب لما هو الحق حقيقة وأن الاجتهاد يوجب علم اليقين، وفيه قول بوجوب الأصلح، وفيه من وجه آخر قول بالمنزلة بين المنزلتين، وبالخلود في النار لأصحاب الكبائر إذا ماتوا قبل التوبة.
فهذا معنى قولنا: إن في القول بجواز تخصيص العلة ميلا إلى أصول المعتزلة من وجوه. ولكنا نقول: انعدام الحكم لا يكون إلا بعد نقصان وصف أو زيادة وصف وهو الذي يسمونه مانعا مخصصا، وبهذه الزيادة والنقصان تتغير العلة لا محالة، فيصير ما هو علة الحكم منعدما حكما، وعدم الحكم عند انعدام العلة لا يكون من تخصيص العلة في شئ. وبيان هذا أن الموجب للزكاة شرعا هو النصاب النامي الحولي، عرف بقوله عليه السلام:
(لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول) والمراد نفي الوجوب، والعلل الشرعية لا توجب الحكم بذواتها بل بجعل الشرع إياها موجبة على ما بينا أن الموجب هو الله تعالى، والإضافة إلى العلة لبيان أن الشرع جعلها موجبة تيسيرا علينا، فإذا كانت بهذا الوصف موجبة شرعا عرفنا أن عند انعدام هذا الوصف ينعدم الحكم لانعدام العلة الموجبة. ولا يلزمنا جواز الأداء لان العلة الموجبة غير العلة المجوزة للأداء، وقد قررنا هذا فيما سبق أن الجزء الأول من الوقت مجوز أداء الصلاة فرضا وإن لم يكن موجبا للأداء عينا مع أن هذا الوصف مؤثر، فإن النماء الذي هو مقصود إنما يحصل بمضي المدة، ألا ترى أن الوجوب يتكرر بتكرر الحول لتجدد معنى النماء بمضي كل حول، وكذلك البيع بشرط الخيار، فإن الموجب للملك شرعا البيع المطلق ومع شرط الخيار لا يكون مطلقا بل بهذه الزيادة يصير البيع في حق الحكم كالمتعلق بالشرط وقد بينا أن المتعلق بالشرط غير المطلق، ولصفة الاطلاق تأثير أيضا فإن الموجب للملك بالنص التجارة عن تراض وتمام الرضا يكون عند إطلاق الايجاب لا مع شرط الخيار، فظهر أن العلة تنعدم بزيادة وصف أو نقصان