لعله إذا دعاه إلى قوله أظهر خلافه فلا يكون قوله حجة عليه، فأما بعدما ظهر القول عن واحد منهم وانقرض عصرهم قبل أن يظهر قول بخلافه من غيره فقد انقطع احتمال ما ثبت به المساواة من الوجه الذي قررنا فيكون قوله حجة، وإنما ساغ لبعضهم مخالفة البعض لوجود المساواة بينهم فيما يتقوى به الرأي، وهو مشاهدة أحوال التنزيل ومعرفة أسبابه.
ولا خلاف بين أصحابنا المتقدمين والمتأخرين أن قول الواحد من الصحابة حجة فيما لا مدخل للقياس في معرفة الحكم فيه، وذلك نحو المقادير التي لا تعرف بالرأي، فإنا أخذنا بقول علي رضي الله عنه في تقدير المهر بعشرة دراهم، وأخذنا بقول أنس في تقدير أقل الحيض بثلاثة أيام وأكثره بعشرة أيام، وبقول عثمان بن أبي العاص في تقدير أكثر النفاس بأربعين يوما، وبقول عائشة رضي الله عنها في أن الولد لا يبقى في البطن أكثر من سنتين، وهذا لان أحدا لا يظن بهم المجازفة في القول، ولا يجوز أن يحمل قولهم في حكم الشرع على الكذب، فإن طريق الدين من النصوص إنما انتقل إلينا بروايتهم، وفي حمل قولهم على الكذب والباطل قول بفسقهم، وذلك يبطل روايتهم فلم يبق إلا الرأي أو السماع ممن ينزل عليه الوحي ولا مدخل للرأي في هذا الباب، فتعين السماع وصار فتواه مطلقا كروايته عن رسول الله (ص)، ولا شك أنه لو ذكر سماعه من رسول الله لكان ذلك حجة لاثبات الحكم به فكذلك إذا أفتى به ولا طريق لفتواه إلا السماع، ولهذا قلنا: إن قول الواحد منهم فيما لا يوافقه القياس يكون حجة في العمل به، كالنص يترك القياس به، حتى إن في شراء ما باع بأقل مما باع قبل نقد الثمن أخذنا بقول عائشة رضي الله عنها في قصة زيد بن أرقم رضي الله عنه وتركنا القياس، لان القياس لما كان مخالفا لقولها تعين جهة السماع في فتواها، وكذلك أخذنا بقول ابن عباس رضي الله عنهما في النذر بذبح الولد إنه يوجب ذبح شاة لأنه قول يخالف القياس فتتعين فيه جهة السماع، وأخذنا بقول ابن