باستثناء حقيقة، إذ حقيقة الاستثناء في أصل الوضع أن يكون الكلام عبارة عما وراء المستثنى، والمستثنى هنا لم يتناوله صدر الكلام صورة ومعنى حتى يجعل الكلام عبارة عما وراءه فيكون استثناء منقطعا، ومعناه لكن لا ثوب له علي. والتصريح بهذا الكلام لا يسقط عنه شيئا من الألف ولا يمنع إعمال أصل الكلام في إيجاب جميع الألف عليه فكذلك اللفظ الذي يدل عليه، ولهذا قال محمد في قوله إلا كر حنطة إنه تلزمه الألف كاملة. فأما أبو حنيفة وأبو يوسف رضي الله عنهما استحسنا هنا فقالا: كلامه استثناء حقيقة باعتبار المعنى، لان صورة صدر الكلام الاخبار بوجوب المسمى عليه، ومعناه إظهار ما هو لازم في ذمته، والمكيل والموزون كشئ واحد في حكم الثبوت في الذمة على معنى أن كل واحد منهما يثبت في الذمة ثبوتا صحيحا بمنزلة الأثمان، فهذا الاستثناء باعتبار صورة صدر الكلام لا يكون استخراجا، وباعتبار معناه يكون استخراجا، على أنه استخرج هذا القدر مما هو واجب في ذمته، والمعنى يترجح على الصورة لأنه هو المطلوب، فلهذا جعلنا استثناءه استخراجا على أن يكون كلامه عبارة عما وراء مالية كر حنطة من الألف، فأما الثوب لا يكون مثل المكيل والموزون في الصورة ولا في المعنى، وهو الثبوت في الذمة، فإنه لا يثبت في الذمة إلا مبيعا والألف تثبت في الذمة ثمنا فلا يمكن جعل كلامه استخراجا باعتبار الصورة ولا باعتبار المعنى، فلهذا جعلناه استثناء منقطعا.
ثم قال الشافعي بناء على أصله: الاستثناء متى تعقب كلمات معطوفة بعضها على بعض ينصرف إلى جميع ما تقدم ذكره، لأنه معارض مانع للحكم بمنزلة الشرط، ثم الشرط ينصرف إلى جميع ما سبق حتى يتعلق الكل به فكذلك الاستثناء. واستدل عليه بقوله تعالى في آية قطاع الطريق: * (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم) * فإنه ينصرف إلى جميع ما تقدم ذكره.
وقال علماؤنا: الاستثناء تغيير وتصرف في الكلام فيقتصر على ما يليه خاصة