على مورثه، ولا تثبت في حق الصبي والمجنون عندنا أصلا، لأنها عقوبة والأهلية للعقوبة لا تسبق الخطاب، بخلاف الخاطئ إذا كان بالغا عاقلا، فالبالغ العاقل مخاطب ولكنه بسبب الخطأ يعذر مع نوع تقصير منه في التحرز، والصبي لا يوصف بالتقصير الكامل والناقص فلا يثبت في حقه ما يكون عقوبة قاصرة كانت أو كاملة، ولهذا لا تثبت في حق القائد والسائق والشاهد إذا رجع عن شهادته، وحافر البئر وواضع الحجر، لأنه جزاء على مباشرة القتل المحظور، والموجود من هؤلاء تسبب لا مباشرة. وعند الشافعي هذا ضمان يتعلق بهذا الفعل بمنزلة الدية، فيثبت في حق المسبب والمباشر جميعا وفي حق الصبي والبالغ، وهذا غلط بين، لأن الضمان ما يجب جبرانا لحق المتلف عليه ويسقط باعتبار رضاه أو عفو من يقوم مقامه، وحرمان الميراث ليس من ذلك في شئ.
فأما الدائر بين العبادة والعقوبة كالكفارات، لأنها ما وجبت إلا جزاء على أسباب توجد من العباد، فسميت كفارة باعتبار أنها ستارة للذنب، فمن هذا الوجه عقوبة فإن العقوبة هي التي تجب جزاء على ارتكاب المحظور الذي يستحق المأثم به، وهي عبادة من حيث إنها تجب بطريق الفتوى ويؤمر من عليه بالأداء بنفسه من غير أن تقام عليه كرها، والشرع ما فوض إقامة شئ من العقوبات إلى المرء على نفسه، وتتأدى بما هو محض العبادة.
فعرفنا أنها دائرة بين العبادة والعقوبة، وأن سببها دائر بين الحظر والإباحة كاليمين المعقودة على أمر في المستقبل والقتل بصفة الخطأ، ولهذا لم نجعل الغموس والعمد المحض سببا لوجوب الكفارة. وعند الشافعي رحمه الله هذه الكفارات وجوبها بطريق الضمان، وقد بينا أن هذا غلط، ووجوب الضمان في الأصل بطريق الجبران وذلك لا يتحقق فيما يخلص لله تعالى، لان الله تعالى يتعالى عن أن يلحقه خسران حتى تتحقق الحاجة إلى الجبران، وكان معنى العبادة في هذه الكفارات مرجحا على معنى العقوبة كما أشرنا إليه، وتكفير الاثم به باعتبار أنه طاعة وحسن في نفسه، قال تعالى: * (إن الحسنات