وأما الوجه الرابع وهو الزيادة على النص فإنه بيان صورة ونسخ معنى عندنا سواء كانت الزيادة في السبب أو الحكم، وعلى قول الشافعي هو بمنزلة تخصيص العام ولا يكون فيه معنى النسخ حتى جوز ذلك بخبر الواحد والقياس. وبيان هذا في النفي مع الجلد، وقيد صفة الايمان في الرقبة في كفارة الظهار واليمين. وجه قوله إن الرقبة اسم عام يتناول المؤمنة والكافرة، فإخراج الكافرة منها يكون تخصيصا لا نسخا بمنزلة إخراج بعض الأعيان من الاسم العام، ألا ترى أن بني إسرائيل استوصفوا البقرة وكان ذلك منهم طلب البيان المحض دون النسخ، وبعدما بينها الله لهم امتثلوا الامر المذكور في قوله: * (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) * وهذا لان النسخ يكون برفع الحكم المشروع وفي الزيادة تقرير الحكم المشروع وإلحاق شئ آخر به بطريق المحاورة، فإن إلحاق النفي بالجلد لا يخرج الجلد من أن يكون مشروعا، وإلحاق صفة الايمان بالرقبة لا يخرج الرقبة من أن تكون مستحقة الاعتاق في الكفارة. وهذا نظير حقوق العباد، فإن من ادعى على غيره ألفا وخمسمائة وشهد له شاهدان بألف وآخران بألف وخمسمائة حتى قضى له بالمال كله كان مقدار الألف مقضيا به بشهادتهم جميعا، وإلحاق الزيادة بالألف في شهادة الآخر يوجب تقرير الأصل في كونه مشهودا به لا رفعه. فتبين بهذا أن الزيادة لا تتعرض لأصل الحكم المشروع فلا يكون فيها معنى النسخ بوجه من الوجوه. ثم قد يكون بطريق التخصيص وقد لا يكون، ولهذا لا يشترط فيها أن تكون مقرونة بالأصل كما يشترط ذلك في دليل الخصوص، وحاجتنا إلى إثبات أن ذلك ليس بنسخ وقد أثبتناه بما قررنا.
وحجتنا في ذلك أن أكثر ما ذكره الخصم دليل على أن الزيادة بيان صورة، ونحن نسلم ذلك ولكنا ندعي أنه نسخ معنى، والدليل على إثبات ذلك أن ما يجب حقا لله تعالى من عبادة أو عقوبة أو كفارة لا يحتمل الوصف بالتجزي وليس للبعض منه حكم الجملة بوجه، فإن الركعة من صلاة الفجر لا تكون فجرا والركعتين من صلاة الظهر في حق المقيم لا تكون ظهرا، وكذلك المظاهر إذا صام شهرا ثم عجز فأطعم ثلاثين مسكينا لا يكون مكفرا به بالاطعام