فلا يزول المتيقن بالشك، وهذا لان اليقين كان معلوما في نفسه ومع الشك لا يثبت للعلم فلا يجوز ترك العمل بالعلم لأجل ما ليس بعلم.
وأصحابنا قالوا: هذا مذهب باطل، فإن الاجماع كان ثابتا في عين على حكم لا لأنه عين وإنما كان ذلك لمعنى وقد حدث معنى آخر خلاف ذلك ومع هذا المعنى الحادث لم يكن الاجماع قط فكيف يستقيم استصحابه؟ وبه نبطل نحن على ما كنا عليه، فإنا لم نكن على الاجماع مع هذا المعنى قط. ثم لا يخلو: إما أن تكون الحجة نفس الاجماع، أو الدليل الذي نشأ منه الاجماع قبل حدوث هذا المعنى فيه، فإن كان نفس الاجماع فبعد الخلاف الاجماع، وفي الموضع الذي لا إجماع لا يتحقق الاحتجاج بنفس الاجماع وإن كان الدليل الذي نشأ منه الاجماع، فما لم يثبت بقاء ذلك الدليل بعد اعتراض المعنى الحادث لا يتحقق الاستدلال بالاجماع.
ثم يحتج عليهم بعين ما احتجوا به فنقول: قد تيقنا بالحدث المانع من جواز أداء الصلاة في أعضاء المحدث قبل استعمال هذا الماء الذي وقعت فيه النجاسة، فنحن على ما كنا عليه من اليقين، والاجماع لا يترك بالخلاف عند استعمال هذا الماء، واتفقنا على أن أداء الصلاة واجب على من أدرك الوقت فنحن على ذلك الاتفاق لا نتركه بأداء يكون منه بالتيمم بعدما أبصر الماء، لان سقوط الفرض بهذا الأداء مشكوك فيه، واتفقنا على أن الأمة بعد ما حبلت من مولاها قد امتنع بيعها، فنحن على ذلك الاتفاق لا نتركه بالخلاف في جواز بيعها بعدما انفصل الولد عنها، وكل كلام يمكن أن يحتج به على الخصم بعينه في إثبات ما رام إبطاله به فهو باطل في نفسه، وهو نظير احتجاجنا على من يقول لا دليل على النافي في أحكام الشرع، وإنما الدليل على المثبت كما في الدعاوى، فإن البينة تكون على المثبت دون النافي، فنقول: من قال لا حكم فهو يثبت صحة اعتقاد نفي الحكم، وهذا منه إثبات حكم شرعي، وخصمه ينفي صحة هذا الاعتقاد فينبغي أن تكون الحجة عليه للاثبات لا على خصمه فإنه ينفي، وسنقرر هذا الكلام في موضعه، ثم نستدل بقوله تعالى: * (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) * وفي هذا تنصيص على ترك العمل بما كان متيقنا به عند حدوث معنى