فإن قيل: فقد أوجبتم الكفارة بالاكل والشرب في رمضان على طريق تعدية حكم النص الوارد في الجماع إليه مع أن الأكل والشرب ليس بنظير للجماع لما في الجماع من الجناية على محل الفعل، ولهذا يتعلق به الحد رجما في غير الملك وذلك لا يوجد في الأكل والشرب، وأثبتم حرمة المصاهرة بالزنا بطريق تعدية الحكم من الوطئ الحلال إليه وهو ليس بنظير له فلان الأصل حلال يثبت به النسب والزنا حرام لا يثبت به النسب، وكذلك أثبتم الملك الذي هو حكم البيع بالغصب وهو ليس بنظير له، فالبيع مشروع والغصب عدوان محض وهو ضد المشروع. قلنا: أما في مسألة الكفارة فنحن ما أوجبنا الكفارة بطريق التعليل بالرأي، فكيف يقال هذا! ومن أصلنا أن إثبات الكفارات بالقياس لا يجوز خصوصا في كفارة الفطر فإنها تنزع إلى العقوبات كالحد، ولكن إنما أوجبنا الكفارة بالنص الوارد بلفظ الفطر، وهو قوله عليه السلام: من أفطر في رمضان فعليه ما على المظاهر ثم قد بينا أنهما نظيران في حكم الصوم فإن ركن الصوم هو الكف عن اقتضاء الشهوتين، ووجوب الكفارة باعتبار الجناية على الصوم بتفويت ركنه على أبلغ الوجوه لا باعتبار الجناية على المحل، وفي الجناية على الصوم هما سواء، ووجوب الكفارة باعتبار الفطر (المفوت) لركن الصوم صورة ومعنى، والجماع آلة لذلك كالاكل والشرب. وما هذا إلا نظير إيجاب القصاص في القتل بالسهم والسيف، فإن القصاص يجب بالقتل العمد والسيف آلة لذلك الفعل، كالسهم، فلا يكون ذلك بطريق تعدية الحكم من محل إلى محل، إنما التعدية فيما قاله الخصم إن الكفارة تجب بجماع الميتة والبهيمة. وعندنا هذا التعليل باطل، لان جماع الميتة والبهيمة ليس نظير جماع الاهل في تفويت ركن الصوم، فإن فوات الركن معنى بما تميل إليه الطباع السليمة لقصد قضاء الشهوة، وذلك يختص بمحل مشتهى وفرج الميتة والبهيمة ليس بهذه الصفة، فكان هذا تعليلا لتعدية الحكم إلى ما ليس
(١٦٣)