ولا بالصوم، ولهذا قلنا: القاذف إذا جلد تسعة وسبعين سوطا لا تسقط شهادته، لان الحد ثمانون سوطا فبعضه لا يكون حدا. إذا تقرر هذا فنقول: الثابت بآية الزنا جلد وهو حد، فإذا التحق النفي به يخرج الجلد من أن يكون حدا لأنه يكون بعض الحد حينئذ وبعض الحد ليس بحد، بمنزلة بعض العلة فإنه لا يوجب شيئا من الحكم الثابت بالعلة فكان نسخا من هذا الوجه، وكذلك في الرقبة فإن مع الاطلاق التكفير بتحرير رقبة، وبعد القيد تحرير رقبة بعض ما يتأدى به الكفارة. فعرفنا أنه نسخ وبه فارق حقوق العباد، فإنه مما يحتمل الوصف بالتجزي فيمكن أن يجعل إلحاق الزيادة به تقريرا للمزيد عليه، حتى إن فيما لا يحتمل التجزي من حقوق العباد الحكم كذلك أيضا، فإن البيع لما كان عبارة عن الايجاب والقبول لم يكن الايجاب المحض بيعا، ونكاح أربع نسوة لما كان موجبا حرمة النكاح عليه لا يثبت شئ من ذلك بنكاح امرأة أو امرأتين لان ليس بنكاح أربع نسوة، وقد بينا في قصة بني إسرائيل أن ذلك كان بيانا صورة وكان نسخا معنى، كما أشار إليه ابن عباس رضي الله عنهما بقوله: شددوا فشدد الله عليهم. يدل عليه أن النسخ لبيان مدة بقاء الحكم وإثبات حكم آخر، ثم الاطلاق ضد التقييد فكان من ضرورة ثبوت التقييد انعدام صفة الاطلاق، وذلك لا يكون إلا بعد انتهاء مدة حكم الاطلاق وإثبات حكم هو ضده وهو التقييد، وإذا كان إثبات حكم غير الأول على وجه يعلم أنه لم يبق معه الأول نسخا فإثبات حكم هو ضد الأول أولى أن يكون نسخا بطريق المعنى، وبه فارق التخصيص فإن التخصيص لا يوجب حكما فيما تناوله العام غير الحكم الأول، ولكن يبين أن العام لم يكن متناولا لما صار مخصوصا منه، ولهذا لا يكون التخصيص إلا مقارنا، يقرره أن التخصيص للاخراج والتقييد للاثبات، وأي مشابهة تكون بين الاخراج من الحكم وبين إثبات الحكم. وهذا لان الاطلاق يعدم صفة التقييد والتقييد إيجاد لذلك الوصف، فبعد ما ثبت التقييد لا يتصور بقاء صفة الاطلاق، ولا يكون الحكم ثابتا لما تناوله صيغة الاطلاق، وإنما يكون ثابتا بالمقيد من اللفظ، فأما العام إذا خص منه شئ يبقى الحكم ثابتا فيما وراءه بمقتضى لفظ العموم فقط،
(٨٣)