عليه السلام إنما قال كل واحد منهما في وقت آخر فيجب العمل بهما عند الامكان كما هو مذهبنا في أن المطلق لا يحمل على المقيد في حكمين. وبيان هذا فيما روي أن النبي عليه السلام نهى عن بيع الطعام قبل القبض وقال لعتاب بن أسيد رضي الله عنه إنههم عن أربعة: عن بيع ما لم يقبضوا فإنا نعمل بالحديثين ولا نجعل المطلق منهما محمولا على المقيد بالطعام حتى لا يجوز بيع سائر العروض قبل القبض كما لا يجوز بيع الطعام. وأهل الحديث يجعلون الرواة في هذا طبقات فيقولون: إذا كانت الزيادة يرويها من هو في الطبقة العليا يجب الاخذ بذلك، وإن كانت الزيادة إنما يرويها من ليس في الطبقة العليا ويروي الخبر بدون الزيادة من هو في الطبقة العليا فإنه يثبت التعارض بينهما. وكذلك قالوا في خبر يروى موقوفا على بعض الصحابة بطريق ومرفوعا إلى رسول الله (ص) بطريق، فإن كان يرويه عن رسول الله عليه السلام من هو في الطبقة العليا فإنه يثبت مرفوعا، وإن كان إنما يرويه عن رسول الله عليه السلام من ليس في الطبقة العليا ويرويه موقوفا من هو في الطبقة العليا فإنه يثبت موقوفا. وكذلك قالوا في المسند والمرسل، ولكن الفقهاء لم يأخذوا بهذا القول، لان الترجيح عند أهل الفقه يكون بالحجة لا بأعيان الرجال، والله أعلم.
باب: البيان قال رضي الله عنه: اختلفت عبارة أصحابنا في معنى البيان. قال أكثرهم:
هو إظهار المعنى وإيضاحه للمخاطب منفصلا عما تستر به. وقال بعضهم: هو ظهور المراد للمخاطب والعلم بالامر الذي حصل له عند الخطاب، وهو اختيار أصحاب الشافعي، لان الرجل يقول: بان لي هذا المعنى بيانا: أي ظهر، وبانت المرأة من زوجها بينونة: أي حرمت، وبان الحبيب بينا: أي بعد، وكل ذلك عبارة عن الانفصال والظهور ولكنها بمعان مختلفة فاختلفت المصادر بحسبها. والأصح هو الأول أن المراد هو الاظهار، فإن أحدا من العرب لا يفهم من إطلاق لفظ البيان العلم الواقع للمبين له، ولكن إذا قال الرجل: بين فلان كذا بيانا واضحا فإنما يفهم