فصل قال علماؤنا رحمهم الله: فعل النبي عليه السلام وقوله متى ورده وافقا لما هو في القرآن يجعل صادرا عن القرآن وبيانا لما فيه. وأصحاب الشافعي يقولون: يجعل ذلك بيان حكم مبتدأ حتى يقوم الدليل على خلافه. وعلى هذا قلنا: بيان النبي عليه السلام للتيمم في حق الجنب صادر عما في القرآن، وبه يتبين أن المراد من قوله تعالى: * (أو لامستم النساء) * الجماع دون المس باليد، وهم يجعلون ذلك بيان حكم مبتدأ ويحملون قوله * (أو لامستم النساء) * على المس باليد، قالوا: لأنه يحتمل أن يكون ذلك صادرا عما في القرآن، ويحتمل أن يكون شرع الحكم ابتداء وهو في الظاهر غير متصل بالآية فيحمل على أنه بيان حكم مبتدأ باعتبار الظاهر، ولان في حمله على هذا زيادة فائدة، وفي حمله على ما قلتم تأكيد ما صار معلوما بالآية ببيانه فحمله على ما يفيد فائدة جديدة كان أولى. وحجتنا فيه قوله تعالى: * (إن هو إلا وحي يوحى) * ففي هذا تنصيص على أن قوله وفعله في حكم الشرع يكون عن وحي، فإذا كان ذلك ظاهرا معلوما في الوحي المتلو عرفنا أنه صادر عن ذلك، إذ لو لم نجعله صادرا عن ذلك احتجنا إلى إثبات وحي غير متلو فيه وإثبات الوحي من غير الحاجة ومع الشك لا يجوز.
وقال تعالى: * (فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول) *: أي ردوه إلى كتاب الله وقال تعالى: * (وأن احكم بينهم بما أنزل الله) * فإذا ظهر منه حكم في حادثة وذلك الحكم موجود فيما أنزل الله عرفنا أنه حكم فيه بما أنزل الله لأنه ما كان يخالف ما أمر به، ولان الصحابة رضي الله عنهم فهموا ذلك من أفعاله، فإنهم حملوا قطعه يد السارق على الوجوب وأداءه الصلاة في مواقيتها على الوجوب، وقد بينا أن مطلق فعله لا يدل على ذلك، فلولا أنهم علموا أن فعله ذلك صادر عن الآيات الدالة على الوجوب نحو قوله تعالى: * (حافظوا على الصلوات) * وقوله تعالى: * (فاقطعوا أيديهما) * لاستفسروه وطلبوا منه بيان صفة فعله، وحيث لم يشتغلوا بذلك عرفنا أنهم علموا أن فعله ذلك منه صادر عن الآية، فأما دعواهم الاحتمال