وأما النوع الرابع فبيانه فيما إذا قال لفلان علي مائة ودرهم أو مائة ودينار، فإن ذلك بيان للمائة أنها من جنس المعطوف عندنا. وعند الشافعي يلزمه المعطوف والقول في بيان جنس المائة قوله، وكذلك لو قال مائة وقفيز حنطة أو ذكر مكيلا أو موزونا آخر. واحتج فقال: إنه أقر بمائة مجملا ثم عطف ما هو مفسر فيلزمه المفسر ويرجع إليه في بيان المجمل، كما لو قال مائة وثوب أو مائة وشاة أو مائة وعبد، وهذا لان المعطوف غير المعطوف عليه فلا يكون العطف تفسيرا للمعطوف عليه بعينه، وكيف يكون تفسيرا وهو في نفسه مقر به لازم إياه! ولو كان تفسيرا له لم يجب به شئ لان الوجوب بالكلام المفسر لا بالتفسير. ولكنا نقول: قوله ودرهم بيان للمائة عادة ودلالة. أما من حيث العادة فلان الناس اعتادوا حذف ما هو تفسير عن المعطوف عليه في العدد إذا كان المعطوف مفسرا بنفسه كما اعتادوا حذف التفسير عن المعطوف عليه والاكتفاء بذكر التفسير للمعطوف، فإنهم يقولون مائة وعشرة دراهم على أن يكون الكل من الدراهم، وإنما اعتادوا ذلك لضرورة طول الكلام وكثرة العدد والايجاز عند ذلك طريق معلوم عادة، وإنما اعتادوا هذا فيما يثبت في الذمة في عامة المعاملات كالمكيل والموزون دون ما لا يثبت في الذمة، إلا في معاملة خاصة كالثياب فإنها لا تثبت في الذمة قرضا ولا بيعا مطلقا، وإنما يثبت في السلم أو فيما هو في معنى السلم كالبيع بالثياب الموصوفة مؤجلا. وأما من حيث الدلالة فلان المعطوف مع المعطوف عليه كشئ واحد من حيث الحكم والاعراب بمنزلة المضاف مع المضاف إليه، ثم الإضافة للتعريف حتى يصير المضاف معرفا بالمضاف إليه، فكذلك العطف متى كان صالحا للتعريف يصير المعطوف عليه معرفا بالمعطوف باعتبار أنهما كشئ واحد، ولكن هذا فيما يجوز أن يثبت في الذمة عند مباشرة السبب بذكر المعطوف بالمعطوف عليه كالمكيل والموزون. فأما ما ليس بمقدر لا يثبت دينا في الذمة بذكر المعطوف (والمعطوف) عليه مع إلحاق التفسير بالمعطوف عليه، ولكن يحتاج إلى ذكر شرائط أخر، فلهذا لم نجعل المعطوف عليه مفسرا بالمعطوف هناك.
(٥٢)