لان الحكم يدور معه وجودا وعدما، والمنصوص عليه وهو (الحنطة بالحنطة) قائم في الحالين ولا حكم له.
وجواب أهل الفقه عن هذه الكلمات ظاهر، فإن الظواهر الدالة على جواز العمل بالقياس بالاتفاق لا تدل على أن كل وصف من أوصاف الأصل صالح لان يكون علة، فإنه لو كان كذلك لتحير المعلل وارتفع معنى الابتلاء بطلب الحكم في الحوادث أصلا، وإذا اتفقنا على أن دلالة هذه النصوص لوصف من بين أوصاف الأصل قد ابتلينا بطلبه حين أمرنا بالاعتبار، فلا بد من أن يكون في ذلك الوصف معنى معقول يمكن التمييز به بينه وبين سائر الأوصاف ليوقف عليه، وما هذا إلا نظير النصوص المثبتة لصفة الشهادة لهذه الأمة، فإن ذلك لا يمنع القول باختصاص الصلاحية ببعض الأوصاف واختصاص الأداء بلفظ الشهادة من بين سائر الألفاظ، وهذا لان أوصاف النص تعلم بالحس أو السماع وذلك يشترك فيه أهل اللغة وغيرهم ممن له حاسة صحيحة مع الفقهاء، ثم التعليل بالقياس لاثبات الحكم قد اختص به الفقهاء، فعرفنا أن اختصاصهم بذلك لم يكن إلا لمعنى معقول في الوصف الذي هو علة لا يمكن الوقوف عليه إلا بالتأمل من طريق الفقه. وقوله علل الشرع أمارات. قلنا: هي أمارات من حيث إنها غير موجبة بذواتها ولكنها موجبة للحكم بجعل الشرع إياها موجبة العمل بها، ومعلوم أنه لا يمكن العمل بها إلا بعد معرفة عينها، وطريق ذلك التعيين بالنص أو الاستنباط بالرأي، وقد انعدم التعيين بالنص ولا يتأتى فيه الاستنباط بالرأي إذا لم يكن الحكم معقول المعنى، لان العقل طريق يدرك به ما يعقل كما أن الحس طريق يدرك به ما يحس دون ما لا يحس، وليس هذا نظير الاحكام الثابتة بالنص غير معقول المعنى، لان النص موجب بنفسه، فإنه كلام من يثبت علم اليقين بقوله وقد حصل التعيين بالنص هناك، فكونه غير معقول المعنى لا يعجزنا عن العمل به، فأما التعليل ببعض الأوصاف فهو غير موجب بنفسه وإنما يجب العمل به بطريق أنه إعمال الرأي ليتوصل به إلى الحجة في حكم شرعي، وما لم يكن معقول المعنى لا يتأتى إعمال الرأي فيه.