منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٧ - الصفحة ٥٤
ثم انه لا يخفى اختلاف آراء الأصحاب في حجية الاستصحاب مطلقا وعدم حجية كذلك (1)، والتفصيل بين الموضوعات والاحكام، أو بين ما كان الشك في الرافع وما كان في المقتضي إلى غير ذلك من التفاصيل الكثيرة (2)
____________________
(1) أي: مطلقا، وهذان الاطلاقان في قبال التفاصيل التي أشار إلى بعضها.
(2) التي تقدمت الإشارة إليها في أول البحث.
ترتفع حرمة الكذب غير الضار بارتفاع الضرر، فتبعية الحكم الشرعي للحكم العقلي في مقام الاثبات فقط لا تقتضي ارتفاعه واقعا بارتفاع الحكم العقلي، بل توجب الشك في بقائه.
الرابع: أن قطع العقل بارتفاع المصلحة التي أدركها في مورد لا يوجب العلم بانحصار الملاك فيها وعدم مصلحة أخرى فيه توجب بقاء الحكم الشرعي، فاحتمال عدم انحصار الملاك فيما ارتفع يوجب الشك في بقاء الحكم الذي هو مورد الاستصحاب. نعم ما دام الحكم العقلي بالحسن أو القبح باقيا كان الحكم الشرعي المستكشف به أيضا موجبا لاستحقاق المثوبة والعقوبة على موافقته ومخالفته كاستحقاقه المدح والذم عقلا.
الخامس: أنه قد ظهر ما في قوله (قده): (ان الاضرار ليس بوجوده الواقعي مناطا للقبح والعقاب ليعلم تارة ويشك فيه أخرى. إلخ) من الاشكال، وهو ما عرفت من أنه مقتضى موضوعية العلم للأحكام العقلية دون الأحكام الشرعية، فان العلم فيها وفي ملاكاتها طريق محض، ومقتضاه تبعية الأحكام الشرعية لملاكاتها الواقعية دون العلم بها، فانتفاء حكم العقل العملي بالمدح أو الذم لعدم إحراز الجهة المحسنة أو المقبحة لا يستلزم انتفاء الحكم الشرعي أيضا، بل يوجب الشك فيه، لاحتمال وجود ملاك واقعي له لم يدركه العقل، وهذا الشك يصحح جريان الاستصحاب فيه والمؤاخذة على مخالفته.