منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٣١٨

ولتبدل الموضوع ثانيا، لان كل ما يكون دخيلا في الحكم العقلي يكون مأخوذا في موضوعه.
ومن الواضح أن العقل كان يحكم بالاكتفاء بالاجزاء مقيدا بعدم مشكوك المانعية لاجل إحراز موافقة الامر، فمع حصول المشكوك يتبدل الموضوع، للشك في موافقة الامر.
الثاني: إن المورد ليس من موارد الاستصحاب التعليقي الذي تقدم الكلام فيه نفيا وإثباتا، وذلك لان موضوع الاستصحاب التعليقي هو ما إذا كان الحكم ثابتا لموضوع موجود بالفعل على تقدير شرط لم يتحقق بعد، كالحرمة الثابتة للعنب على تقدير الغليان، فإذا تبدل إلى الزبيب يقال: هذا كان محرما على تقدير الغليان فالآن كذلك. فموضوع الحكم موجود بالفعل ويكون للحكم التعليقي - بما هو تعليقي - ثابتا له بالفعل.
وما نحن فيه ليس كذلك، لان الاكتفاء في مقام الامتثال المترتب على الاجزاء اللاحقة ليس موضوعه طبيعي الاجزاء وشرطه هو وجودها، فيقال: إن طبيعي الاجزاء يكتفى به في مقام الامتثال على تقدير وجوده، كي يجري الاستصحاب التعليقي عند طرو مشكوك المانعية، لان الموضوع غير الشرط الذي لا وجود له فيمكن فرضه بالفعل وقبل وجوده الذي هو الشرط.
وإنما موضوعه هو وجود الطبيعة فإنه هو الذي يكتفى به في مقام الامتثال، فقبل وجود الاجزاء ليس لدينا ما يقال إنه كان يكتفى به في مقام الامتثال على تقدير والآن كذلك. وعند وجودها يكون الاكتفاء مشكوك الحدوث رأسا، فلا مجال للاستصحاب المدعى.
وأما الصحة من حيث موافقة الامر، فالكلام في استصحابها هو الكلام في استصحاب الصحة بلحاظ مقام الامتثال من عدم الشك في البقاء لو أريد صحة الاجزاء السابقة وعدم اليقين بالحدوث لو أريد بها صحة المجموع المركب، وكونه من الاستصحاب التعليقي الذي عرفت إشكاله لو أريد صحة الاجزاء السابقة.
هذا مع أن موافقة الامر ليست من الأمور الشرعية بل هي تنتزع عن مطابقة المأتي به للمأمور به وليست مجعولة بل تتحقق بتحقق أمرين والعمل الخارجي المطابق.
ومن الواضح إنها تبتني على وجود الامر في مرحلة سابقة على العمل، إذ لا يتعلق الامر بما هو موجود كي يكون المأتي به قبل الامر مطابقا للمأمور به بعد الاتيان.
ومن هنا اتضح أن الامر الشرعي وإن كان دخيلا في انتزاع عنوان الموافقة لكن ذلك لا ينفع في قابلية الموافقة للجعل والرفع ولو بلحاظ منشأ انتزاعه، لان الامر لو كان هو الجزء الأخير من العلة لأمكن الالتزام بذلك، لكن عرفت أنه أسبق من الجزء الاخر وهو العمل الخارجي، فالجزء الأخير لانتزاع عنوان الموافقة هو عمل المكلف وهو ليس بشرعي، فتدبر.
ومن هنا يظهر الاشكال فيما أفاده المحقق العراقي من جريان استصحاب الصحة بمعنى موافقة الامر ببيان أنها شرعية لشرعية منشأ انتزاعه وهو أمر الشارع وتكليفه، وقد عرفت منع كونها شرعية، كما أن ما أفاده في تقريب جريانه بان الموافقة من الأمور التدريجية بتدرج الاجزاء، فمع الشك في مانعية الموجود يجري استصحاب الموافقة على نحو جريانه في سائر الأمور التدريجية، يرد عليه أن جريان الاستصحاب في الامر التدريجي إنما ينفع في إثبات الامر التدريجي بمفاد كان التامة كبقاء النهار والكلام والجريان ولا ينفع في إثبات اتصاف الموجود بالوصف التدريجي، فلا يثبت باستصحاب النهار نهارية الموجود.
وعليه فاستصحاب الموافقة التدريجية لا يثبت سوى بقائها وأما اتصاف المأتي به بالموافقة فهو لا يثبت بالاستصحاب. ومحل الأثر هو كون المأتي به موافقا له، فلا حظ.
وأما الصحة من حيث بقاء الامر بالعمل وعدم سقوطه فتحقيق الحال فيها: إن الامر الذي يتعلق بالمركبات التدريجية كالصلاة إما أن يلتزم بأنه موجود دفعة من حين العمل، غاية الامر أن داعويته واقتضاءه تدريجي الحصول بتدرج العمل فعند أول جزء يكون داعيا إليه وبعد إتيانه يدعو للجزء الاخر وهكذا.
وإما أن يلتزم بأنه موجود تدريجا بتدريج العمل، فيحصل جزء منه عند أول جزء ثم يحصل جزء آخر منه عند الجزء الاخر من العمل وهكذا، ومبنى هذا القول هو الالتزام باستحالة الواجب المعلق، فيستحيل الحكم الفعلي من الآن بجميع أجزاء العمل التدريجي لان تعلقه بغير الجزء الأول يكون من قبيل الواجب المعلق.
فعلى المبنى الأول، إذا تخلل مشكوك المانعية يحصل الشك في سقوط اقتضاء الامر بالنسبة إلى الجزء اللاحق لحصوله بعد إتيان الجزء السابق وقبل الاتيان بمشكوك المانعية، فقد يقال باستصحاب اقتضاء الامر بالنسبة إلى الجزء اللاحق ويترتب عليه لزوم إتيانه، ولكن لا يخفى أن اقتضاء الامر ليس أمرا شرعيا ولا موضوعا لحكم شرعي فلا مجال للاستصحاب.
وأما على لمبنى الثاني، فتخلل مشكوك المانعية يوجب الشك في سقوط الامر المتعلق بالجزء اللاحق لحصوله بعد إتيان الجزء السابق وقبل إتيان المشكوك. والامر مما يمكن استصحابه ويترتب عليه لزوم الاتيان به عقلا ويحصل الامتثال.
لكن المبنى نفسه ما لا نلتزم به كما حقق في محله.
فتلخص: أن استصحاب الصحة بجميع احتمالاته لا مجال له إلا على فرض واحد لا نلتزم بمبناه، فتدبر.
وبملاحظة هذه الشقوق في استصحاب الصحة تعرف القصور في كلمات الشيخ والمحقق النائيني لعدم استيعابها لجميع هذه الشقوق، والأمر سهل.
هذا تمام الكلام في استصحاب الصحة عند طروء مشكوك المانعية.
(٣١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 313 314 315 316 318 318 322 323 324 325 326 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الاستصحاب تعريف الاستصحاب 8
2 مناقشة التعاريف 10
3 التعريف المختار 11
4 الاستصحاب مسألة أصولية أو لا؟ 13
5 الفرق بين الاستصحاب وقاعدتي اليقين، والمقتضي والمانع 14
6 تقسيمات الاستصحاب 15
7 نفي جريان الاستصحاب في الحكم الشرعي المستفاد من العقل 16
8 تصحيح الوجه الثالث وتعميمه للشبهة الموضوعية المصداقية 20
9 تعميم النفي للأحكام الوجودية والعدمية 22
10 الايراد على الشيخ والأصفهاني 23
11 تقريب جريان استصحاب العدم في مورد النسيان 24
12 اعتبار فعلية الشك والمناقشة فيه 26
13 أدلة الاستصحاب 33
14 الاستدلال بالأخبار 37
15 صحيحة زرارة الأولى 37
16 محتملات مفاد الصحيحة 38
17 في الاحتمال الأرجح 45
18 التفصيل بين الشك في المقتضي والرافع 50
19 معنى النقض 50
20 المختار في معنى النقض 53
21 مناقشتنا للكفاية في معنى النقض 57
22 امتناع تعلق النقض باليقين 58
23 امتناع تعلق النقض باليقين اثباتا 61
24 المجعول هو المتيقن لا اليقين 64
25 الاستصحاب في الشبهة الموضوعية 65
26 المختار في دفع الاشكال في جريان الاستصحاب المذكور 71
27 الاستصحاب في الأحكام الكلية 74
28 عدم الأثر لاستصحاب عدم الجعل 76
29 مناقشة كلام العراقي 78
30 عدم قابلية الجعل وعدمه للتعبد بهما 81
31 امتناع التعبد بعدم التكليف 83
32 هل الجعل يتبع المجعول سعة وضيقا 84
33 الاستصحاب في الأحكام الترخيصية والوضعية 90
34 صحيحة زرارة الثانية 90
35 الاستدلال بالفقرة الأولى 91
36 جعل الفقرة من التعليل بالصغرى 103
37 منع إفادة الفقرة لقاعدة اليقين 106
38 الاستدلال بالفقرة الثانية 107
39 صحيحة زرارة الثالثة 107
40 رواية الخصال 117
41 مكاتبة القاساني 120
42 رواية عمار 124
43 الأحكام الوضعية 133
44 الكلام في سبب التكليف وشرطه ونحوهما 134
45 منع جعل السببية استقلالا 134
46 الايراد على وجهي الكفاية 135
47 السببية منتزعة عن خصوصية واقعية 138
48 الكلام في جزء المأمور به وشرطه ونحوهما 141
49 استشكال العراقي الشرطية 142
50 في جريان الأصل في الجزئية وعدمه 143
51 الكلام في الحجية والملكية ونحوهما 146
52 الاشكال ثبوتا في جعل الملكية استقلالا 148
53 البحث عن مجعولية الصحة والطهارة ونحوهما 149
54 تنبيهات الاستصحاب التنبيه الأول: في جريان الاستصحاب في مودي الأمارات 151
55 التبيه الثاني: في استصحاب الكلي 159
56 استصحاب الفرد المردد 160
57 القسم الأول من استصحاب الكلي 166
58 القسم الثاني من استصحاب الكلي 166
59 استصحاب الكلي في الأحكام 171
60 الشبهة العبائية 174
61 تحقيق الحق في الشبهة 176
62 القسم الثالث من استصحاب الكلي 179
63 القسم الرابع من استصحاب الكلي 180
64 التنبيه الثالث: في استصحاب الأمور التدريجية 182
65 استصحاب الزمان وجهات الاشكال فيه 182
66 استصحاب الحكم في الفعل المقيد بالزمان 191
67 التنبيه الرابع: في استصحاب الأمور التعليقية 194
68 معارضة الاستصحاب التنجيزي للتعليقي 204
69 المختار في دفع اشكال المعارضة 208
70 الاستصحاب التعليقي في الموضوعات 210
71 التنبيه الخامس: في استصحاب عدم النسخ 211
72 التنبيه السادس: في الأصل المثبت 211
73 الأصل المثبت مع خفاء الواسطة 216
74 المناقشة في استثناء صورة وضوح الملازمة 218
75 الشك في أول الشهر وجريان الأصل فيه 221
76 الحكم بتضمين اليد المشكوك ضمانيتها 224
77 الامارات المثبتة 226
78 التنبيه السابع: جهات تتعلق بالأصل المثبت 229
79 الأثر المترتب على الأمر الانتزاعي 230
80 المنع في استصحاب عدم التكليف 232
81 التنبيه الثامن: حكم ما إذا كان اللازم لازما للأعم من الوجود الواقعي والظاهري 234
82 التبيه التاسع: اعتبار كون المستصحب مجعولا في مرحلة البقاء فقط لا الحدوث 235
83 التبيه العاشر: أصالة تأخر الحادث - مجهولي التاريخ 236
84 في اعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين 243
85 المحاذير المختارة لعدم جريان الاستصحاب 257
86 جهالة تاريخ أحد الحادثين 265
87 تعاقب الحادثين المتضادين 272
88 جهالة تاريخ أحد الحادثين المتضادين 276
89 كلام للمحقق النائيني في المقام 277
90 التنبيه الحادي عشر: استصحاب الأمور الاعتقادية 290
91 استصحاب النبوة والإمامة 300
92 الايراد على تشبث الكتابي باستصحاب نبوة نبيه 301
93 التنبيه الثاني عشر: في استصحاب حكم المخصص 303
94 حول صورة لحاظ الزمان ظرفا 304
95 تلخيص كلام المحقق الأصفهاني 306
96 مناقشة مع المحقق الأصفهاني 309
97 التبيه الثالث عشر: في بيان المراد من الشك في الأخبار 316
98 استصحاب الصحة 318
99 استصحاب الهيئة الاتصالية 332
100 القاطع والمانع هل يختلفان أثرا؟ 335
101 هل الناقض قسم آخر غير المانع والقاطع 338
102 استصحاب الوجوب مع تعذر بعض أجزاء المركب 340
103 التفصيل بين تعذر الجزء قبل تنجيز التكليف وبعده 341
104 خاتمة: في شروط الاستصحاب اعتبار بقاء الموضوع وتفسير مفرداته 345
105 المختار في تفسير كلام الشيخ قدس سره 355
106 المختار في حكم الفرض المذكور 356
107 عدم جريان الاستصحاب في الموضوع 359
108 التفصيل في جريان الاستصحاب في الحكم 362
109 ما اختير من الطرق في تعيين الموضوع 370
110 هل يفرق في الاستحالة بين نجس العين وبين المتنجس 376
111 هل تستفاد قاعدة اليقين من أخبار الاستصحاب 380
112 الوجوه المختارة في امتناع استفادة القاعدة 390
113 الثالث من شروط الاستصحاب: أن يكون البقاء مشكوكا 394
114 الحكومة ضابطها وتعريفها 396
115 المراد من النظر ومن التفرع 402
116 وجه تقديم الحاكم على المحكوم وكذا أخواته 405
117 الوجه المختار في التقديم 412
118 تقديم الامارة على الاستصحاب بملاك الورود 417
119 دعوى التقديم بملاك الحكومة 422
120 تذييل: الالتزام بالورود انما يلتزم به في صورة قيام الامارة على الخلاف 435
121 ثمرة التذييل 437