بطبعها أو باختيارها، والله هو الذي أودع فيها قوة الاستكمال، فترى الفأرة تفر من الهرة ولا تفر من الشاة (1).
وعلى الجملة: أن مسألة الإلهام أجنبية عن تحقق معنى الوضع بالكلية، فإن الإلهام من الأمور التكوينية الواقعية، ولا اختصاص له بباب الوضع، والمبحوث عنه هو معنى الوضع، كان الوضع بإلهام إلهي أم لم يكن.
وأما الأمر الخامس: وهو استناده فيما ذكره من: أن الله تبارك وتعالى هو الواضع الحكيم، لو تم فإنما يتم لو كان وضع الألفاظ لمعانيها دفعيا وفي زمان واحد، إلا أن الأمر ليس كذلك، فإن سعة دائرة الوضع وضيقها تتبع سعة دائرة الغرض وضيقها. ومن الواضح أن الغرض منه ليس إلا أن يتفاهم بها وقت الحاجة، وتبرز بها المعاني التي تختلج في النفوس لئلا يختل نظام حياتنا المادية والمعنوية.
ومن الظاهر: أن كمية الغرض الداعي إليه تختلف سعة وضيقا بمرور الأيام والعصور. ففي العصر الأول - وهو عصر آدم (عليه السلام) - كانت الحاجة إلى وضع ألفاظ قليلة بإزاء معان كذلك، لقلة الحوائج في ذلك العصر وعدم اقتضائها أزيد من ذلك، ثم ازدادت الحوائج مرة بعد أخرى وقرنا بعد آخر، بل وقتا بعد وقت، فزيد في الوضع كذلك.
وعليه فيتمكن جماعة بل واحد من أهل كل لغة على وضع ألفاظها بإزاء معانيها في أي عصر وزمن، فإن سعة الوضع وضيقه تابعان لمقدار حاجة الناس إلى التعبير عن مقاصدهم سعة وضيقا. ولما كان مرور الزمن موجبا لاتساع حاجاتهم وازديادها كان من الطبيعي أن يزداد الوضع ويتسع.
أما الذين يقومون بعملية الوضع فهم أهل تلك اللغة في كل عصر، من دون فرق بين أن يكون الواضع واحدا منهم أو جماعة، وذلك أمر ممكن لهم، فإن المعاني الحادثة التي يبتلى بها في ذلك العصر إلى التعبير عنها ليست بالمقدار الذي