لا يخفى أن هذه الجهة في الحقيقة متفرعة على الجهة الأولى، وهي: اعتبار المغايرة بين المبدأ والذات، فإنه بعد الفراغ من اعتبارها يقع الكلام في الجهة الثانية، وأن ما كان المبدأ فيه متحدا مع الذات بل عينها خارجا كيف يعقل قيامه بالذات وتلبس الذات به؟ لأنه من قيام الشئ بنفسه وهو محال، إذا لا يعقل التلبس والقيام في صفاته تعالى.
وقبل أن نصل إلى البحث عن هاتين الجهتين نقدم مقدمة، وهي: أن الصفات الجارية عليه تعالى على قسمين:
أحدهما: صفاته الذاتية، وهي التي يكون المبدأ فيها عين الذات: كالعالم والقادر والحياة (1) والسميع والبصير. وقد ذكرنا في بحث التفسير: أن مرجع الأخيرين إلى العلم، وأنهما علم خاص، وهو العلم بالمسموعات والمبصرات (2).
وثانيهما: صفاته الفعلية، وهي التي يكون المبدأ فيها مغايرا للذات: كالخالق والرازق والمتكلم والمريد والرحيم والكريم، وما شاكل ذلك، فإن المبدأ فيها - وهو الخلق أو الرزق أو نحوه - مغاير لذاته تعالى.
ومن هنا يظهر ما في كلام صاحب الكفاية (قدس سره) من الخلط بين صفات الذات وصفات الفعل، حيث عد (قدس سره) الرحيم من صفات الذات (3)، مع أنه من صفات الفعل.
وكيف كان، إذا اتضح لك هذا فنقول: إن صاحب الفصول (قدس سره) قد التزم في الصفات العليا والأسماء الحسنى الجارية عليه تعالى بالنقل والتجوز:
1 - من جهة عدم المغايرة بين مبادئها والذات.
2 - من جهة عدم قيامها بذاته المقدسة وتلبسها بها لمكان العينية (4).