وحدة بالحقيقة والذات ليكون تمييزه عن غيره بتباين الذات، كما لو كانت حقيقة كل واحد منهما من مقولة على حدة، أو بالفصل كما لو كانت من مقولة واحدة، بل وحدتها بالاعتبار، وتمييز كل مركب اعتباري عن مركب اعتباري آخر يمكن بأحد الأمور المزبورة.
وأما التمايز في المقام الثاني: فبالغرض إذا كان للعلم غرض خارجي يترتب عليه، كما هو الحال في كثير من العلوم المتداولة بين الناس: كعلم الفقه والأصول والنحو والصرف ونحوها، وذلك لأن الداعي الذي يدعو المدون لأن يدون عدة من القضايا المتباينة علما: كقضايا علم الأصول - مثلا - وعدة أخرى منها علما آخر: كقضايا علم الفقه ليس إلا اشتراك هذه العدة في غرض خاص، واشتراك تلك العدة في غرض خاص آخر. فلو لم يكن ذلك ملاك تمايز هذه العلوم بعضها عن بعض في مرحلة التدوين، بل كان هو الموضوع لكان اللازم على المدون أن يدون كل باب، بل كل مسألة علما مستقلا لوجود الملاك كما ذكره صاحب الكفاية (1) (قدس سره).
وأما إذا لم يكن للعلم غرض خارجي يترتب عليه سوى العرفان والإحاطة به: كعلم الفلسفة الأولى فامتيازه عن غيره: إما بالذات أو بالموضوع أو بالمحمول، كما إذا فرض أن غرضا يدعو إلى تدوين علم يجعل الموضوع فيه (الكرة الأرضية) - مثلا - ويبحث فيه عن أحوالها من حيث الكمية والكيفية والوضع والأين، إلى نحو ذلك، وخواصها الطبيعية، ومزاياها على أنحائها المختلفة.
أو إذا فرض أن غرضا يدعو إلى تدوين علم يجعل موضوعه (الإنسان) ويبحث فيه عن حالاته الطارئة عليه، وعن صفاته من الظاهرية والباطنية، وعن أعضائه وجوارحه وخواصها. فامتياز العلم عن غيره في مثل ذلك: إما بالذات أو بالموضوع، ولا ثالث لهما، لعدم غرض خارجي له ما عدا العرفان والإحاطة،