مبتن على أن لا يكون الموضوع هو نفس اللفظ. وأما إذا فرض أنه الموضوع في القضية والحكم ثابت له فلا محذور أصلا.
وأما القسم الثاني، وهو: ما إذا اطلق اللفظ وأريد منه نوعه - كما إذا قيل: " زيد لفظ أو ثلاثي " وأريد به طبيعي ذلك اللفظ - فليس من قبيل الاستعمال أيضا، بل هو من قبيل: إحضار الطبيعي في ذهن المخاطب بإراءة فرده، فالمتكلم بذلك اللفظ قد قصد ثبوت الحكم للطبيعي ليسري منه إلى أفراده، فأوجد المتكلم في ذهن المخاطب أمرين:
أحدهما: شخص اللفظ الصادر منه.
والثاني: طبيعي ذلك اللفظ الجامع بينه وبين غيره، ولما لم يمكن إيجاده على ما هو عليه في الخارج إلا بإيجاد فرده فلا يكون من قبيل استعمال اللفظ في المعنى في شئ، فإن وجوده عين وجود فرده في الخارج، وإيجاده عين إيجاد فرده.
وعليه فلا يعقل أن يجعل وجود الفرد فانيا في وجوده، أو مبرزا له وعلامة عليه، فإن كل ذلك لا يعقل إلا بين وجودين خارجا، والمفروض أنه لا اثنينية في المقام، فلا يمكن أن يكون وجود الفرد واسطة لإحضار الطبيعي في الأذهان، فإن الواسطة تقتضي التعدد في الوجود، ولا تعدد هنا فيه أصلا.
وقد تلخص من ذلك: أن ملاك الاستعمال لا يكون موجودا في أمثال المقام، بل لا يعقل الاستعمال كما عرفت (1). فحال المقام حال ما إذا أشار أحد إلى حية فقال: سامة، فإنه قد أوجد في ذهن المخاطب بإشارته هذه أمرين: أحدهما شخص هذه الحية، والثاني: الطبيعي الجامع بينها وبين غيرها، فحكم على الطبيعي بسنخ حكم يسري إلى أفراده، فمقامنا من هذا القبيل بعينه.
وعلى الجملة: حيث إن إيجاد الطبيعي على ما هو عليه في الخارج أو الذهن بلا وساطة شئ بمكان من الإمكان فلا يحتاج تفهيمه إلى دال ومبرز له.