يختص الواضع بشخص دون شخص.
وعليه فنقول: إن الواضع كما تعهد بذكر لفظ خاص عند إرادة تفهيم معنى خاص دون أن يأتي بأية قرينة كذلك قد تعهد بذكر ذلك اللفظ عند إرادة معنى آخر، ولكن مع نصب قرينة تدل عليها. غاية الأمر: أن الوضع على الأول شخصي، وعلى الثاني نوعي، وتسميته بذلك بملاحظة أن العلائق والقرائن غير منحصرة بواحدة.
وعلى الجملة: فالتعهد والالتزام كما هما موجودان بالقياس إلى تفهيم المعاني الحقيقية كذلك موجودان بالقياس إلى تفهيم المعاني المجازية، فكل متكلم كما تعهد بأنه متى ما قصد تفهيم معنى خاص يتكلم بلفظ مخصوص مجردا عن القرينة كذلك تعهد بأنه متى ما قصد تفهيم معنى مناسب للمعنى الموضوع له يتكلم بذلك اللفظ مصحوبا بالقرينة، ليكون المجموع مبرزا له.
وقد تلخص من ذلك: أن عدم انحصار الواضع بشخص أو جماعة لا يدع مجالا وموضوعا للبحث المذكور، فإنه مبتن على أن يكون الواضع من أهل كل لغة شخصا خاصا أو جماعة معينين، ليقال: إن جواز استعمال اللفظ في المعنى المجازي هل هو منوط بإذنه أم لا؟ وأما إذا لم يكن الواضع منحصرا بشخص أو جماعة وكان كل مستعمل واضعا فلا مجال له أصلا.
إطلاق اللفظ وإرادة نوعه به...
الأمر السادس ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره): أنه لا شبهة في صحة إطلاق اللفظ وإرادة نوعه به، كما إذا قيل: " ضرب - مثلا - فعل ماض "، أو صنفه، كما إذا قيل: " زيد " في " ضرب زيد " فاعل إذا لم يقصد به شخص القول، أو مثله ك " ضرب " في المثال فيما إذا قصد. وقد أشرنا إلى أن صحة الإطلاق كذلك، وحسنه إنما كان بالطبع لا بالوضع، وإلا كانت المهملات موضوعة لذلك، لصحة الإطلاق كذلك فيها،