محاضرات في أصول الفقه - آية الله العظمى الشيخ إسحاق الفياض - ج ١ - الصفحة ١٢٢
فالنتيجة: هي أن جعل الإرادة من قيود العلقة الوضعية لا يدع مجالا للإيرادات، لابتنائها جميعا على أخذ الإرادة التفهيمية في المعاني الموضوع لها، وقد ظهر أن الأمر خلاف ذلك، وأن الإرادة لم تؤخذ في المعاني لا قيدا ولا جزءا، بل هي مأخوذة في العلقة الوضعية، فهي تختص بصورة إرادة تفهيم تلك المعاني (1)
(1) وأورد بعض الأعاظم (قدس سره) على ما في تقريرات بعض تلامذته على ذلك بما ملخصه هو:
إن اللفظ لا يدل بالدلالة الوضعية على أن المتكلم أراد المعنى في الواقع، لأن تحصيله بالوضع لا يمكن، فالذي يمكن تحصيله بالوضع هو الدلالة التصورية، ضرورة أن السامع شاك في أن المتكلم يريد هذا المعنى واقعا، فيفتقر السامع في إحراز أن المتكلم أراد هذا المعنى في الواقع إلى دلالة أخرى: كأصالة الظهور والحقيقة، فلا يكون الوضع وحده كافيا لإثبات ذلك، ومعه فالوضع لذلك يصبح لغوا وعبثا، فلا يكون هذا غرضا للواضع من الوضع، بل الغرض منه: تهية مقدمة من مقدمات الإفادة.
أقول: لا شبهة في أن الغرض الداعي إلى الوضع الباعث للواضع الحكيم عليه إنما هو:
إبراز المقاصد والمرادات النفسانية، فلولا الجعل والمواضعة والتعهد بذكر الألفاظ عند إرادة تفهيم المعاني لم يمكن إبرازها، بل اختلت أنظمة الحياة كلها، فلذلك يصبح الوضع ضروريا، ولولا ذلك لما احتجنا إلى الوضع أبدا، فالتشكيك فيه تشكيك في البداهة. وعلى ذلك فلا يشك أيضا أحد في أن اللفظ الصادر من المتكلم يدل على أنه أراد تفهيم معناه بمقتضى قانون الوضع، فهذه الدلالة لا تتوقف على ما عدا إحراز كون المتكلم في مقام التفهيم، وهي موجودة حتى فيما إذا علم المخاطب كذب المتكلم في كلامه إذا لم ينصب قرينة متصلة على أنه ليس في مقام التفهيم.
ومن هنا يظهر: أن ما ذكره (قدس سره) من الايراد مبني على الخلط بين الإرادة التفهيمية والإرادة الجدية، فإن الثانية يحتاج إثباتها في الواقع ومقام الثبوت إلى مقدمة أخرى، وهي: التمسك بأصالة الظهور، أو الحقيقة دون الأولى.
وعلى الجملة: فاللفظ بمقتضى قانون الوضع والتعهد يدل على إرادة المتكلم تفهيم معناه، سواء أكانت هذه الإرادة متصادقة مع الإرادة الجدية في مقام الثبوت والواقع أم كانت على خلافها. بدائع الأفكار ج 1 ص 93.