بشتى ألوانها وأشكالها متوقف على الوضع. فإن المعاني النفسانية التي تتعلق بها الأغراض المادية أو المعنوية لا يمكن إبرازها وإحضارها في الأذهان إلا بالجعل والمواضعة والتعهد بذكر الألفاظ عند إرادة تفهيم تلك المعاني، ولذلك السبب فالوضع يصبح ضروريا.
ومن هنا يتبين لك: أن ما لا يحتاج إبرازه وإحضاره في الأذهان إلى واسطة، بل يمكن إحضاره فيها بنفسه عند تعلق الغرض به فلا حاجة إلى الوضع فيه أصلا، بل هو لغو وعبث.
وحيث إن اللفظ بنفسه قابل لأن يحضر في ذهن المخاطب بلا واسطة أي شئ فالوضع فيه لغو محض لا محالة. وهذا بيان إجمالي لجميع الأقسام المذكورة.
وإليك بيان تفصيلي بالقياس إلى كل واحد منها:
أقول: أما القسم الأول منها، وهو: ما إذا اطلق اللفظ وأريد به شخصه - كما إذا قيل: " زيد ثلاثي " وأريد به شخص ذلك اللفظ - فليس هو من قبيل استعمال اللفظ في المعنى في شئ، وذلك لأن لازمه اتحاد الدال والمدلول ذاتا وحقيقة، إذ شخص هذا اللفظ دال، وهو بعينه مدلول، وهذا غير معقول.
وقد أجاب عن ذلك المحقق صاحب الكفاية (قدس سره): بأن الدال والمدلول في المقام وإن كانا متحدين حقيقة إلا أنه يكفي تعددهما اعتبارا، ولا يلزم أن يكون الدال والمدلول متعددين ذاتا. وبما أن هنا حيثيتين واقعيتين وهما: حيثية صدور اللفظ عن لافظه، وحيثية أن شخصه متعلق إرادته فهو من الحيثية الأولى دال، ومن الحيثية الثانية مدلول، فلا يتحد الدال والمدلول من جميع الجهات (1).
ويرده: أن هذه الدلالة - أي: دلالة اللفظ على أنه مراد ومقصود - وإن كانت موجودة هنا إلا أنها أجنبية عن دلالة اللفظ على المعنى رأسا، بل هي دلالة عقلية سائرة في جميع الأفعال الاختيارية. فإن كل فعل صادر بالاختيار يدل على أنه