المصلحة مقيدة بعدم اجتماعها مع الطبيعة المنهى عنها.
(وبالجملة) بعد امكان الجمع بين احراز المصلحة القوية والفرار من المفسدة الملزمة (وان كانت أضعف منها) يجب ذلك بتخصيص الامر بالافراد التي لا تزاحم فيها، فلا وجه أصلا لترجيح جانب الامر في مجمع العنوانين، بل يتعين دائما ترجيح جانب النهى وان كانت المفسدة الموجودة فيه أضعف بالنسبة إلى مصلحته.
* (التنبيه الرابع) * قد تبين لك من جميع ما ذكرناه أنه لا تزاحم بين الامر والنهى (المتعلقين بحيثيتين بينهما عموم من وجه) في ناحية المولى أعني ناحية تصور الحيثيتين، ففي هذه الناحية يتصور المولى إحديهما فيرى اشتمالها على المصلحة وقدرة العبد على ايجادها فيأمر بها، ويتصور الأخرى فيرى اشتمالها على المفسدة فيزجر عنها من دون ان يلاحظ سائر الحيثيات المتحدة مع المتعلق لعدم دخالتها في الغرض الباعث على الامر أو النهى، فالتزاحم ليس في ناحية المولى وفي مقام الجعل وانما التزاحم في مقام الامتثال ومقام انشعاب كل من الحيثيتين بالشعب المختلفة. (هذا كله) إذا كان بين الحيثيتين عموم من وجه، وكذلك الحال إذا كان بينهما عموم مطلق وكان النهى متعلقا بالأخص، والكلام فيه عين الكلام في سابقه.
(بل قد تبين) مما ذكرنا في التنبيه الثالث رجوع الأول إلى الثاني أيضا، إذ الصلاة والغصب مثلا وان كان بينهما عموم من وجه وقد تعلق بأحدهما الامر وبالاخر النهى، ولكن الامر لا ينحل إلى أوامر متعددة إذ المطلوب في جانبه نفس وجود الطبيعة وهو يتحقق بايجاد فرد ما، واما النهى فينحل إلى نواه متعددة بعدد ما يفرض للطبيعة من الوجودات لما عرفت وجهه، فمجمع عنواني الصلاة والغصب كأنه تفرد بنهي مستقل ولكنه لم يتفرد بأمر مستقل بل الامر تعلق بأصل الحيثية الصلاتية الجامعة بينه وبين غيره، وعلي هذا فيجب ان يلاحظ النسبة بين هذا الفرد بخصوصه وبين طبيعة الصلاة، ومعلوم ان النسبة بينهما عموم مطلق، فالنسبة بين متعلق الامر ومتعلق النهى دائما عموم مطلق ويكون الأعم موردا للامر والأخص موردا للنهى فتدبر.