(غاية الامر) انه قد يكون مراد المتكلم من استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له ايجاد المعنى في ذهن المخاطب ليتقرر بنفسه في ذهنه، ويحكم عليه أو به فيكون نفس المعنى الموضوع له مرادا جديا كما هو المراد في مقام الاستعمال. (وقد يكون) مراده منه ايجاد المعنى الموضوع له في ذهن المخاطب، ليصير هذا المعنى معبرا ومنشئا لانتقال ذهنه إلى معنى آخر، من جهة كون المعنى الثاني عين الموضوع له أو من افراده ادعاء أو تنزيلا، فيكون المراد جدا غير ما هو المستعمل فيه حقيقة وان كان عينه ادعاءا (فأسد) مثلا في قولك (رأيت أسدا يرمى) لم يستعمل في الرجل الشجاع، بل استعمل في نفس ما وضع له أعني الحيوان المفترس، غاية الامر انه أريد في هذا الاستعمال انتقال ذهن المخاطب من اللفظ إلى ما وضع له، ثم انتقاله مما وضع له إلى معنى آخر أعني الرجل الشجاع، فكأن اللفظ استعمل في المعنى الموضوع له، واستعمل المعنى الموضوع له في معنى آخر ادعى كونه عين الموضوع له أو من افراده.
(ويسمى القسم الأول) من استعمال اللفظ فيما وضع له حقيقة، والقسم الثاني مجازا، ووجه التسمية على ما ذكرنا واضح، فان الحقيقة مأخوذة من حق بمعنى ثبت، والمجاز اسم مكان بمعنى المعبر، والمقصود من استعمال اللفظ في المعنى الموضوع له في القسم الأول هو ثبوت نفس المعنى في ذهن المخاطب، وفي القسم الثاني صيرورة المعنى الموضوع له معبرا يعبر به الذهن إلى المعنى الثاني.
(وبالجملة) فنحن ندعى في جميع المجازات ما ادعاه السكاكي في خصوص الاستعارة، ولطافة الاستعمالات المجازية مستندة إلى ما ذكرناه من ادعاء كون المعنى المقصود عين ما وضع له اللفظ أو من افراده، ويختلف درجات لطافة الكلام وملاحته باختلاف مراتب الادعاء المذكور بحسب الدقة والحسن، وربما يبلغ في ذلك حد الاعجاب والاعجاز، كيف! وصرف استعمال اللفظ في غير ما وضع له من دون توسيط الادعاء المذكور لا يوجب لطافة وحسنا، فالأسد في قولنا: (رأيت أسدا يرمى) لو استعمل في زيد الشجاع لا يوجب مزية وحسنا زايدا على قولنا: (رأيت زيدا يرمى) ما لم يتوسط في البين ادعاء كونه بالغا في الشجاعة حدا صار من افراد الأسد، واستحق ان يستعمل فيه لفظ الأسد. وكذلك اطلاق