بخلافه في الوجوب العيني فإنه عبارة عن الفعل المقيد بصدوره عن هذا الفاعل الخاص (وتفصيل ذلك) هو انه قد تكون المصلحة في صدور الفعل عن كل واحد من المكلفين فحينئذ يؤمر كل واحد منهم بايجاد الطبيعة المقيدة بصدورها عن نفسه، ففي قوله: (أقيموا الصلاة) مثلا يكون كل واحد من المكلفين مأمورا بايجاد طبيعة الصلاة المقيدة بصدورها عن نفسه، وقد تكون المصلحة في صدور طبيعة الفعل وتحققه في الخارج من غير تقيد بصدوره عن شخص خاص، فحينئذ يؤمر كل واحد من المكلفين بايجاد هذه الطبيعة المطلقة حتى عن قيد صدورها عن نفسه، (والحاصل) ان مطلوب المولى في الوجوب الكفائي هو وجود الطبيعة المطلقة الغير المقيدة بصدورها عمن كلف بها، (غاية الامر) انه لما كان مطلوب المولى تحقق أصل الطبيعة من غير أن يكون لصدورها عن هذا الفاعل أو عن ذلك دخالة في الغرض وكان كل واحد من المكلفين قادرا على ايجاد هذه الطبيعة، فلا محالة يتوجه طلبه إلى كان واحد واحد منهم لعدم خصوصية موجبة للتخصيص بواحد منهم، ومعه يكون التخصيص ترجيحا بلا مرجح (وبالجملة) التكليف يتوجه إلى كل واحد منهم مستقلا، ولكن ما كلف به كل واحد منهم عبارة عن أصل الطبيعة الغير المقيدة بصدورها عن نفسه، فالمكلفون متعددون وكل واحد منهم توجه إليه التكليف مستقلا ولكن المطلوب والمكلف به في جميع هذه التكاليف امر واحد أعني به الطبيعة المطلقة، ففي مسألة تجهيز الميت مثلا كان واحد من الناس مكلف مستقلا ولكن المكلف به في الجميع امر وحداني، فزيد مكلف بايجاد طبيعة الدفن مثلا من غير أن تكون هذه الطبيعة مقيدة بصدورها عن نفسه، وكذلك عمرو وبكر وغيرهما، ولازم هذا النوع من الوجوب هو سقوط جميع التكاليف بامتثال الواحد من جهة حصول ما هو تمام المطلوب في جميع هذه التكاليف، وهذا بخلاف الوجوب العيني فان كل واحد من المكلفين مكلف في هذا النوع من الوجوب بايجاد الطبيعة المقيدة بصدورها عن نفسه فتدبر.
" وينبغي التنبيه على امرين ": (الأول) قال في الكفاية في المباحث المتعلقة بالأمر (ما حاصله): انه لو شك في واجب انه عيني أو كفائي فمقتضى الاطلاق حمله على العينية (بتقريب) ان كل واحد من المكلفين مكلف (في الواجب العيني) بايجاد الطبيعة مطلقا