سورة فيها ذكر الإنزال والكتاب ولم يذكر قلبها حروف كقوله تعالى: * (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) * (الكهف: 1) وقوله: * (سورة أنزلناها) * (النور: 1) وقوله: * (تبارك الذي نزل الفرقان) * (الفرقان: 1) وقوله: * (إنا أنزلناه في ليلة القدر) * (القدر: 1) لأنا نقول جوابا عن الأول لا ريب في أن كل سورة من القرآن لكن السورة التي فيها ذكر القرآن والكتاب مع أنها من القرآن تنبه على كل القرآن فإن قوله تعالى: * (طه * ما أنزلنا عليك القرآن) * (ط: 1، 2) مع أنها بعض القرآن فيها ذكر جميع القرآن فيصير مثاله مثال كتاب يرد من ملك على مملوكه فيه شغل ما، وكتاب آخر يرد منه عليه فيه: إنا كتبنا إليك كتبا إليك كتبا فيها أوامرنا فامتثلها، لا شك أن عبء الكتاب الآخر أكثر من ثقل الأول وعن الثاني أن قوله: * (الحمد الله، وتبارك الذي) * تسبيحات مقصودة وتسبيح الله لا يغفل عنه العبد فلا يحتاج إلى منبه بخلاف الأوامر والنواهي، وأما ذكر الكتاب فيها فلبيان وصف عظمة من له التسبيح * (وسورة أنزلناها) * قد بينا أنها من القرآن فيها ذكر انزالها وفي السورة التي ذكرناها ذكر جميع القرآن فهو أعظم في النفس وأثقل.
وأما قوله تعالى: * (إنا أنزلناه) * فنقول هذا ليس واردا على مشغول القلب بشيء غيره بدليل أنه ذكر الكناية فيها وهي ترجع إلى مذكور سابق أو معلوم وقوله: * (إنا أنزلناه) * الهاء راجع إلى معلوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فكان متنبها له فلم ينبه، واعلم أن التنبيه قد حصل في القرآن بغير الحروف التي لا يفهم معناها كما في قوله تعالى: * (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) * (الحج: 1) وقوله * (يا أيها النبي اتق الله) * (الأحزاب: 1) * (يا أيها النبي لم تحرم) * (التحريم: 1) لأنها أشياء هائلة عظيمة، فإن تقوى الله حق تقاته أمر عظيم فقدم عليها النداء الذي يكون للبعيد الغافل عنها تنبيها، وأما هذه السورة افتتحت بالحروف وليس فيها الابتداء بالكتاب والقرآن، وذلك لأن القرآن ثقله وعبئه بما فيه من التكاليف والمعاني، وهذه السورة فيها ذكر جميع التكاليف حيث قال: * (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا) * يعني لا يتركون بمجرد ذلك بل يؤمرون بأنواع من التكاليف فوجد المعنى الذي في السور التي فيها ذكر القرآن المشتمل على الأوامر والنواهي فإن قيل مثل هذا الكلام، وفي معناه ورد في سورة التوبة وهو قوله تعالى: * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) * (التوبة: 16) ولم يقدم عليه حروف التهجي فنقول الجواب عنه في غاية الظهور، وهو أن هذا ابتداء كلام، ولهذا وقع الاستفهام بالهمزة فقال * (أحسب) * وذلك وسط كلام بدليل وقوع الاستفهام بأم والتنبيه يكون في أول الكلام لا في أثنائه، وأما * (ألم * غلب الروم) * (الروم: 1، 2) فسيجئ في موضعه إن شاء الله تعالى هذا تمام الكلام في الحروف.
المسألة الثالثة: في إعراب * (ألم) * وقد ذكر تمام ذلك في سورة البقرة مع الوجوه المنقولة في تفسيره ونزيد ههنا على ما ذكرناه أن الحروف لا إعراب لها لأنها جارية مجرى الأصوات المنبهة.
المسألة الرابعة: في سبب نزول هذه الآيات وفيه أقوال: الأول: أنها نزلت في عمار بن ياسر وعياش بن أبي ربيعة والوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وكانوا يعذبون بمكة الثاني: