ثم قال تعالى: * (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات) * يعني هم في جميع هذه الأحوال يذكرون الله ويكون إسلامهم وإيمانهم وقنوتهم وصدقهم وصبرهم وخشوعهم وصدقتهم وصومهم بنية صادقة لله، واعلم أن الله تعالى في أكثر المواضع حيث ذكر الذكر قرنه بالكثرة ههنا، وفي قوله بعد هذا * (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا) * (الأحزاب: 41) وقال من قبل: * (لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) * (الأحزاب: 21) لأن الإكثار من الأفعال البدنية غير ممكن أو عسر فإن الإنسان أكله وشربه وتحصيل مأكوله ومشروبه يمنعه من أن يشتغل دائما بالصلاة ولكن لا مانع له من أن يذكر الله تعالى وهو آكل ويذكره وهو شارب أو ماش أو بائع أو شار، وإلى هذا أشار بقوله تعالى: * (الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) * (آل عمران: 191) ولأن جميع الأعمال بذكر الله تعالى وهي النية.
ثم قال تعالى: * (أعد الله لهم مغفرة) * تمحو ذنوبهم وقوله: * (وأجرا عظيما) * ذكرناه فيما تقدم.
* (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا) *.
قيل بأن الآية نزلت في زينب حيث أراد النبي صلى الله عليه وسلم تزويجها من زيد بن حارثة فكرهت إلا النبي عليه السلام وكذلك أخوها امتنع فنزلت الآية فرضيا به، والوجه أن يقال إن الله تعالى لما أمر نبيه بأن يقول لزوجاته إنهن مخيرات فهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد ضرر الغير فمن كان ميله إلى شيء يمكنه النبي عليه السلام من ذلك، ويترك النبي عليه السلام حق نفسه لحظ غيره، فقال في هذه الآية لا ينبغي أن يظن ظان أن هوى نفسه متبعه وأن زمام الاختيار بيد الإنسان كما في الزوجات، بل ليس لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون له اختيار عند حكم الله ورسوله فما أمر الله هو المتبع وما أراد النبي هو الحق ومن خالفهما في شيء فقد ضل ضلالا مبينا، لأن الله هو المقصد والنبي هو الهادي الموصل، فمن ترك المقصد ولم يسمع قول الهادي فهو ضال قطعا.
ثم قال تعالى * (وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفى