ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لايات لقوم يسمعون اختلاف الصور وقد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات، وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلا يقع بها التمييز، ومن الناس من قال المراد اختلاف اللغة كالعربية والفارسية والرومية وغيرها والأول أصح، ثم قال تعالى: * (لآيات للعالمين) * لما كان خلق السماوات والأرض لم يحتمل الاحتمالات البعيدة التي يقولها أصحاب الطبائع واختلاف الألوان كذلك واختلاف الأصوات كذلك قال: * (للعالمين) * لعموم العلم بذلك.
* (ومن ءاياته منامكم با اليل والنهار وابتغآؤكم من فضله إن فى ذلك لايات لقوم يسمعون) *.
لما ذكر بعض العرضيات اللازمة وهو اختلاف ذكر الأعراض المفارقة ومن جملتها النوم بالليل والحركة طلبا للرزق بالنهار، فذكر من اللوازم أمرين، ومن المفارقة أمرين، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: قوله: * (منامكم بالليل والنهار) * قيل أراد به النوم بالليل والنوم بالنهار وهي القيلولة: ثم قال: * (وابتغاؤكم) * أي فيهما فإن كثيرا ما يكتسب الإنسان بالليل، وقيل أراد منامكم بالليل وابتغاؤكم بالنهار فلف البعض بالبعض، ويدل عليه آيات أخر. منها قوله تعالى: * (وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا) * (الإسراء: 12) وقوله: * (وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا) * (النبأ: 10، 11) ويكون التقدير هكذا: ومن آياته منامكم وابتغاؤكم بالليل والنهار من فضله، فأخر الابتغاء وقرته في اللفظ بالفعل إشارة إلى أن العبد ينبغي أن لا يرى الرزق من كسبه وبحذقه، بل يرى كل ذلك من فضل ربه، ولهذا قرن الابتغاء بالفضل في كثير من المواضع، منها قوله تعالى: * (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) * (الجمعة: 10) وقوله: * (ولتبتغوا من فضله) * (النحل: 14).
المسألة الثانية: قدم المنام بالليل على الابتغاء بالنهار في الذكر، لأن الاستراحة مطلوبة لذاتها والطلب لا يكون إلا لحاجة، فلا يتعب إلا محتاج في الحال أو خائف من المآل.
المسألة الثالثة: قال: * (آيات لقوم يسمعون) * وقال من قبل: * (لقوم يتفكرون) * وقال: * (للعالمين) * فنقول المنام بالليل والابتغاء من فضله يظن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله فلم يقل آيات للعالمين ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسنة والألوان من اللوازم والمنام والابتغاء من الأمور المفارقة فالنظر إليهما لا يدوم لزوالهما في بعض الأوقات ولا كذلك اختلاف الألسنة والألوان، فإنهما يدومان بدوام الإنسان