بالإحسان بالمال أمره بالإحسان مطلقا ويدخل فيه الإعانة بالمال والجاه وطلاقة الوجه وحسن اللقاء وحسن الذكر، وإنما قال: * (كما أحسن الله إليك) * تنبيها على قوله: * (لئن شكرتم لأزيدنكم) * (إبراهيم: 7) وخامسها: قوله: * (ولا تبغ الفساد في الأرض) * والمراد ما كان عليه من الظلم والبغي وقيل إن هذا القائل هو موسى عليه السلام، وقال آخرون بل مؤمنو قومه، وكيف كان فقد جمع في هذا الوعظ ما لو قيل لم يكن عليه مزيد، لكنه أبى أن يقبل بل زاد عليه بكفر النعمة فقال: إنما أوتيته على علم عندي وفيه وجوه: أحدها: قال قتادة ومقاتل والكلبي: كان قارون أقرأ بني إسرائيل للتوراة فقال: إنما أوتيته لفضل علمي واستحقاقي لذلك وثانيها: قال سعيد بن المسيب والضحاك: كان موسى عليه السلام أنزل عليه علم الكيمياء من السماء فعلم قارون ثلث العلم ويوشع ثلثه وكالب ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان يأخذ الرصاص فيجعله فضة والنحاس فيجعله ذهبا وثالثها: أراد به علمه بوجوه المكاسب والتجارات ورابعها: أن يكون قوله: * (إنما أوتيته على علم عندي) * أي الله أعطاني ذلك مع كونه عالما بي وبأحوالي فلو لم يكن ذلك مصلحة لما فعل وقوله: * (عندي) * أي عندي أن الأمر كذلك، كما يقول المفتى عندي أن الأمر كذلك أي مذهبي واعتقادي ذلك، ثم أجاب الله تعالى عن كلامه بقوله: * (أو لم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا) * وفيه وجهان: الأول: يجوز أن يكون هذا إثباتا لعلمه بأن الله تعالى قد أهلك قبله من القرون من هو أقوى منه وأغنى لأنه قد قرأه في التوراة وأخبر به موسى عليه السلام وسمعه من حفاظ التواريخ كأنه قيل له: أو لم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته الثاني: يجوز أن يكون نفيا لعلمه بذلك كأنه لما قال أوتيته على علم عندي فتصلف بالعلم وتعظم به، قيل أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه، ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة، ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين؟.
أما قوله: * (وأكثر جمعا) * فالمعنى أكثر جمعا للمال أو أكثر جماعة وعددا، وحاصل الجواب أن اغتراره بماله وقوته وجموعه من الخطأ العظيم، وأنه تعالى إذا أراد إهلاكه لم ينفعه ذلك ولا ما يزيد عليه أضعافا.
فأما قوله: * (ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون) * فالمراد أن الله تعالى إذا عاقب المجرمين فلا حاجة به إلى أن يسألهم عن كيفية ذنوبهم وكميتها، لأنه تعالى عالم بكل المعلومات فلا حاجة به إلى السؤال، فإن قيل كيف الجمع بينه وبين قوله: * (فوربك لنسألنهم أجمعين) * (الحجر: 92) قلنا يحمل ذلك على وقتين على ما قررناه، وذكر أبو مسلم وجها آخر فقال: السؤال قد يكون للمحاسبة، وقد يكون للتقرير والتبكيت، وقد يكون للاستعتاب، وأليق الوجوه بهذه الآية الاستعتاب لقوله: * (ثم لا يؤذن للذين كفروا ولا هم يستعتبون) * (النحل: 84) * (هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون) * (المرسلات 35، 36).