ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون لأن تعديل الهواء أو تصفيته بالريح أمر لازم، وحكمه به حكم جازم.
* (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجآءوهم با البينات فا انتقمنا من الذين أجرموا وكان حقا علينا نصر المؤمنين) *.
لما بين الأصلين ببراهين ذكر الأصل الثالث وهو النبوة فقال: * (ولقد أرسلنا من قبلك رسلا) * أي إرسالهم دليل رسالتك فإنهم لم يكن لهم شغل غير شغلك، ولم يظهر عليهم غير ما ظهر عليك ومن كذبهم أصابهم البوار ومن آمن بهم كان لهم الانتصار وله وجه آخر يبين تعلق الآية بما قبلها وهو أن الله لما بين البراهين ولم ينتفع بها الكفار سلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقال حال من تقدمك كان كذلك وجاءوا أيضا بالبينات، وكان في قومهم كافر ومؤمن كما في قومك فانتقمنا من الكافرين ونصرنا المؤمنين، وفي قوله تعالى: * (وكان حقا) * وجهان: أحدهما: فانتقمنا، وكان الانتقام حقا واستأنف وقال علينا نصر المؤمنين وعلى هذا يكون هذا بشارة للمؤمنين الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم أي علينا نصركم أيها المؤمنون والوجه الثاني: * (وكان حقا علينا) * أي نصر المؤمنين كان حقا علينا وعلى الأول لطيفة وعلى الآخر أخرى، أما على الأول فهو أنه لما قال فانتقمنا بين أنه لم يكن ظلما وإنما كان عدلا حقا، وذلك لأن الانتقام لم يكن إلا بعد كون بقائهم غير مفيد إلا زيادة الإثم وولادة الكافر الفاجر وكان عدمهم خيرا من وجودهم الخبيث، وعلى الثاني تأكيد البشارة. لأن كلمة على تفيد معنى اللزوم يقال على فلان كذا ينبئ عن اللزوم، فإذا قال حقا أكد ذلك المعنى، وقد ذكرنا أن النصر هو الغلبة التي لا تكون عاقبتها وخيمة، فإن إحدى الطائفتين إذا انهزمت أولا، ثم عادت آخرا لا يكون النصر إلا للمنهزم، وكذلك موسى وقومه لما انهزموا من فرعون ثم أدركه الغرق لم يكن انهزامهم إلا نصرة، فالكافر إن هزم المسلم في بعض الأوقات لا يكون ذلك نصرة إذ لا عاقبة له.
ثم قال تعالى (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء كيف يشاء ويجعله كسفا فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون، وإن كانوا من