ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين * وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شىء حفيظ " 21 " بين أسفارهم ويخرب المعمور من ديارهم، وقوله: * (وظلموا أنفسهم) * يكون بيانا لذلك، وقوله * (فجعلناهم أحاديث) * أي فعلنا بهم ما جعلناهم به مثلا، يقال: تفرقوا أيدي سبا، وقوله: * (ومزقناهم كل ممزق) * بيان لجعلهم أحاديث، وقوله تعالى: * (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) * أي فيما ذكرناه من حال الشاكرين ووبال الكافرين.
ثم قال تعالى: * (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين) * أي ظنه أنه يغويهم كما قال: * (فبعزتك لأغوينهم) * وقوله: * (فاتبعوه) * بيان لذلك أي أغواهم، فاتبعوه * (إلا فريقا من المؤمنين) * قال تعالى في حقهم: * (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان) * ويمكن أن يقال صدق عليهم ظنه في أنه خير منه كما قال تعالى عنه: * (أنا خير منه) * ويتحقق ذلك في قوله فاتبعوه، لأن المتبوع خير من التابع وإلا لا يتبعه العاقل والذي يدل على أن إبليس خير من الكافر، هو إن إبليس امتنع من عبادة غير الله لكن لما كان في امتناعه ترك عبادة الله عنادا كفر، والمشرك يعبد غير الله فو كفر بأمر أقرب إلى التوحيد، وهم كفروا بأمر هو الإشراك، ويؤيد هذا الذي اخترناه الاستثناء، وبيانه هو أنه وإن لم يظن أنه يغوي الكل، بدليل أنه تعالى قال عنه: * (إلا عبادك منهم المخلصين) * فما ظن أنه يغوي المؤمنين فما ظنه صدقه ولا حاجة إلى الاستثناء، وأما في قوله: * (أنا خير منه) * اعتقد الخيرية بالنسبة إلى جميع الناس بدليل تعليله بقوله: * (خلقتني من نار وخلقته من طين) * وقد كذب في ظنه في حق المؤمنين، ويمكن الجواب عن هذا في الوجه الأول، وهو أنه وإن لم يظن إغواء الكل وعلم أن البعض ناج، لكن ظن في كل واحد أنه ليس هو ذلك الناجي، إلى أن تبين له فظن أنه يغويه فكذب في ظنه في حق البعض وصدق في البعض.
ثم قال تعالى (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شئ حفيظ).
قد ذكرنا في تفسير قوله تعالى: * (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) * أن علم الله من الأزل إلى الأبد محيط بكل معلوم وعلمه لا يتغير وهو في كونه عالما لا يتغير ولكن يتغير تعلق علمه، فإن العلم صفة كاشفة يظهر بها كل ما في نفس الأمر فعلم الله في الأزل أن العالم سيوجد، فإذا وجد علمه موجودا بذلك العلم، وإذا عدم يعلمه معدوما بذلك، مثاله: أن المرآة المصقولة فيها الصفاء