وقد يكذب بعضها إذا كانت في أمر واحد مثاله إذا رأى جمع من بعيد جسما وظن بعضهم أنه زيد وآخرون أنه عمرو وقال ثالث إنه بكر، ثم ظهر لهم الحق قد يكون الكل مخطئين والمرئي شجر أو حجر. وقد يكون أحدهم مصيبا ولا يمكن أن يكونوا كلهم مصيبين فقوله: * (الظنونا) * أفاد أن فيهم من أخطأ الظن، ولو قال تظنون بالله ظنا ما كان يفيد هذا.
ثم قال تعالى * (هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا) *.
أي عند ذلك امتحن الله المؤمنين فتميز الصادق عن المنافق، والامتحان من الله ليس لاستبانة الأمر له بل لحكمة أخرى وهي أن الله تعالى عالم بما هم عليه لكنه أراد إظهار الأمر لغيره من الملائكة والأنبياء، كما أن السيد إذا علم من عبده المخالفة وعزم على معاقبته على مخالفته وعنده غيره من العبيد وغيرهم فيأمره بأمر عالما بأنه يخالفه فيبين الأمر عند الغير فتقع المعاقبة على أحسن الوجوه حيث لا يقع لأحد أنها بظلم أو من قلة حلم وقوله: * (وزلزلوا) * أي أزعجوا وحركوا فمن ثبت منهم كان من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وبذكر الله تطمئن مرة أخرى، وهم المؤمنون حقا.
ثم قال تعالى * (وإذ يقول المنافقون والذين فى قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا * وإذ قالت طآئفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا ويستأذن فريق منهم النبى يقولون إن بيوتنا عورة وما هى بعورة إن يريدون إلا فرارا) *.
فسر الظنون وبينها، فظن المنافقون أن ما قال الله ورسوله كان زورا ووعدهما كان غرورا حيث قطعوا بأن الغلبة واقعة وقوله: * (وإذ قالت طائفة منهم يا أهل يثرب لا مقام لكم) * أي لا وجه لإقامتكم مع محمد كما يقال لا إقامة على الذل والهوان أي لا وجه لها ويثرب اسم للبقعة التي هي المدينة فارجعوا أي عن محمد، واتفقوا مع الأحزاب تخرجوا من الأحزان ثم السامعون عزموا على الرجوع واستأذنوه وتعللوا بأن بيوتنا عورة أي فيها خلل لا يأمن صاحبها السارق على متاعه والعدو على أتباعه ثم بين الله كذبهم بقوله: * (وما هي بعورة) * وبين قصدهم وما تكن صدورهم وهو الفرار وزوال القرار بسبب الخوف.