ومن آياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء فيحيى به الأرض بعد موتها إن في ذلك لايات لقوم يعقلون فجعلهما آيات عامة، وأما قوله: * (لقوم يتفكرون) * فاعلم أن من الأشياء ما يعلم من غير تفكر، ومنها ما يكفي فيه مجرد الفكرة، ومنها ما لا يخرج بالفكر بل يحتاج إلى موقف يوقف عليه ومرشد يرشد إليه، فيفهمه إذا سمعه من ذلك المرشد، ومنها ما يحتاج إلى بعض الناس في تفهمه إلى أمثلة حسية كالأشكال الهندسية لكن خلق الأزواج لا يقع لأحد أنه بالطبع إلا إذا كان جامد الفكر خامد الذكر، فإذا تفكر علم كون ذلك الخلق آية، وأما المنام والابتغاء فقد يقع لكثير أنهما من أفعال العباد، وقد يحتاج إلى مرشد بغير فكرة، فقال: * (لقوم يسمعون) * ويجعلون بالهم إلى كلام المرشد.
* (ومن ءاياته يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السمآء مآء فيحى به الارض بعد موتها إن فى ذلك لايات لقوم يعقلون) *.
لما ذكر العرضيات التي للأنفس اللازمة والمفارقة ذكر العرضيات التي للآفاق، وقال: * (يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل من السماء) * وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: لما قدم دلائل الأنفس ههنا قدم العرضيات التي للأنفس وأخر العرضيات التي للآفاق كما أخر دلائل الآفاق، بقوله: * (ومن آياته خلق السماوات والأرض) * (الروم: 22).
المسألة الثانية: قدم لوازم الأنفس على العوارض المفارقة حيث ذكر أولا اختلاف الألسنة والألوان ثم المنام والابتغاء، وقدم في الآفاق العوارض المفارقة على اللوازم حيث قال: * (يريكم البرق خوفا وطمعا وينزل) * وذلك لأن الإنسان متغير الحال والعوارض له غير بعيدة، وأما اللوازم فيه فقريبة. وأما السماوات والأرض فقليلة التغير فالعوارض فيها أغرب من اللوازم، فقدم ما هو أعجب لكونه أدخل في كونه آية ونزيده بيانا فنقول: الإنسان يتغير حاله بالكبر والصغر والصحة والسقم وله صوت يعرف به لا يتغير وله لون يتميز عن غيره، وهو يتغير في الأحوال وذلك لا يتغير وهو آية عجيبة، والسماء والأرض ثابتان لا يتغيران، ثم يرى في بعض الأحوال أمطار هاطلة وبروق هائلة، والسماء كما كانت والأرض كذلك، فهو آية دالة على فاعل مختار يديم أمرا مع تغير المحل ويزيل أمرا مع ثبات المحل.
المسألة الثالثة: كما قدم السماء على الأرض قدم ما هو من السماء وهو البرق والمطر على ما هو من الأرض وهو الإنبات والإحياء.
المسألة الرابعة: كما أن في إنزال المطر وإنبات الشجر منافع، كذلك في تقدم البرق والرعد على المطر منفعة، وذلك لأن البرق إذا لاح، فالذي لا يكون تحت كن يخاف الابتلال