بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدى من أضل الله وما لهم من ناصرين فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون الوجوه وإلى هذا أشار بقوله: * (تخافونهم كخيفتكم أنفسكم) * (الروم: 28).
المسألة الثانية: بهذا نفى جميع وجوه حسن العبادة عن الغير لأن الأغيار إذا لم يصلحوا للشركة فليس لهم ملك ولا ملك، فلا عظمة لهم حتى يعبدوا لعظمتهم ولا يرتجى منهم منفعة لعدم ملكهم حتى يعبدوا لنفع وليس لهم قوة وقدرة لأنهم عبيد والعبد المملوك لا يقدر على شيء فلا تخافوهم كما تخافون أنفسكم، فكيف تخافونهم خوفا أكثر من خوفكم بعضا من بعض حتى تعبدوهم للخوف.
ثم قال تعالى: * (كذلك نفصل الآيات لقوم يعقلون) * أي نبينها بالدلائل والبراهين القطعية والأمثلة والمحاكيات الاقناعية لقوم يعقلون، يعني لا يخفى الأمر بعد ذلك إلا على من لا يكون له عقل.
* (بل اتبع الذين ظلموا أهوآءهم بغير علم فمن يهدى من أضل الله وما لهم من ناصرين) *.
ثم قال تعالى: * (بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وما لهم من ناصرين) * أي لا يجوز أن يشرك بالمالك مملوكه ولكن الذين أشركوا اتبعوا أهواءهم من غير علم وأثبتوا شركاء من غير دليل، ثم بين أن ذلك بإرادة الله بقوله: * (فمن يهدي من أضل الله) * أي هؤلاء أضلهم الله فلا هادي لهم، فينبغي أن لا يحزنك قولهم، وههنا لطيفة وهي أن قوله: * (فمن يهدي من أضل الله) * مقو لما تقدم وذلك لأنه لما قال لأن الله لا شريك له بوجه ما ثم قال تعالى بل المشركون يشركون من غير علم، يقال فيه أنت أثبت لهم تصرفا على خلاف رضاه والسيد العزيز هو الذي لا يقدر عبده على تصرف يخالف رضاه، فقال: إن ذلك ليس باستقلاله بل بإرادة الله وما لهم من ناصرين، لما تركوا الله تركهم الله ومن أخذوه لا يغني عنهم شيئا فلا ناصر لهم.
* (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله التى فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون) *.
ثم قال تعالى: * (فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله) * أي إذا تبين الأمر وظهرت الوحدانية ولم يهتد المشرك فلا تلتفت أنت إليهم وأقم وجهك للدين، وقوله: * (فأقم وجهك للدين) * أي أقبل بكلك على الدين عبر عن الذات بالوجه كما قال تعالى: * (كل شيء هالك إلا وجهه) * (القصص: 88) أي ذاته بصفاته، وقوله: * (حنيفا) * أي مائلا عن كل ما عداه أي أقبل على الدين ومل عن كل شيء أي لا يكون في قلبك شيء آخر فتعود إليه، وهذا قريب من معنى قوله: * (ولا تكونوا من المشركين) * (الروم: 31) ثم قال الله تعالى: * (فطرت الله) * أي الزم فطرة الله وهي التوحيد