إذا مس الجمد زمانا ثم مس جمرة نار لا تؤثر النار في إحراق يده مثل ما تؤثر في إحراق يد من أخرج يده من جيبه، ولهذا تحترق يده قبل يد هذا. فإذا جاز وجود كيفية في ظاهر جلد الإنسان تمنع تأثير النار فيه بالإحراق زمانا فيجوز أن تتجدد تلك الكيفية لحظة فلحظة حتى لا تحترق، وأما الثالث: فمجرد استبعاد بيان عدم الاعتياد ونحن نسلم أن ذلك غير معتاد لأنه معجز والمعجز ينبغي أن يكون خارقا للعادة.
ثم قال تعالى: * (إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون) * يعني في إنجائه من النار لآيات، وهنا مسائل:
المسألة الأولى: قال في إنجاء نوح وأصحاب السفينة * (جعلناها آية) * (العنكبوت: 15) وقال ههنا * (لآيات) * بالجمع لأن الإنجاء بالسفينة شيء تتسع له العقول فلم يكن فيه من الآية إلا بسبب إعلام الله إياه بالاتخاذ وقت الحاجة، فإنه لولاه لما اتخذه لعدم حصول علمه بما في الغيب، وبسبب أن الله صان السفينة عن المهلكات كالرياح العاصفة، وأما الإنجاء من النار فعجيب فقال فيه آيات.
المسألة الثانية: قال هناك * (آية للعالمين) * (الأنبياء: 91) وقال ههنا * (لقوم يؤمنون) * خص الآيات بالمؤمنين لأن السفينة بقيت أعواما حتى مر عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد، وأما تبريد النار (فإنه) لم يبق فلم يظهر لمن يعده إلا بطريق الإيمان به والتصديق، وفيه لطيفة: وهي أن الله لما برد النار على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه وهدايته لأبناء جنسه، وقد قال الله للمؤمنين بأن لهم أسوة حسنة في إبراهيم، فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله يبرد عليهم النار يوم القيامة، فقال إن في ذلك التبريد لآيات لقوم يؤمنون.
المسألة الثالثة: قال هناك * (جعلناها) * وقال ههنا * (جعلناه) * لأن السفينة ما صارت آية في نفسها ولولا خلق الله الطوفان لبقي فعل نوح سفها، فالله تعالى جعل السفينة بعد وجودها آية، وأما تبريد النار فهو في نفسه آية إذا وجدت لا تحتاج إلى أمر آخر كخلق الطوفان حتى يصير آية.
* (وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم فى الحيوة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين) *.
لما خرج إبراهيم من النار عاد إلى عذل الكفار وبيان فساد ما هم عليه، وقال إذا بينت لكم فساد مذهبكم وما كان لكم جواب ولا ترجعون عنه، فليس هذا إلا تقليدا، فإن بين بعضكم وبعض مودة