غيرك، فإن شغل الأنبياء وورثتهم من العلماء هو أن يكملوا في أنفسهم ويكملوا غيرهم، فإن قال قائل كيف قدم في وصيته لابنه الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر، وقبل قدم النهي عن المنكر على الأمر بالمعروف فإنه أول ما قال * (يا بني لا تشرك) * ثم قال: * (يا بني أقم الصلاة) * فنقول هو كان يعمل من ابنه أنه معترف بوجود الله فما أمره بهذا المعروف ونهاه عن المنكر الذي يترتب على هذا المعروف، فإن المشرك بالله لا يكون نافيا لله في الاعتقاد وإن كان يلزمه نفيه بالدليل فكان كل معروف في مقابلته منكر والمعروف في معرفة الله اعتقاد وجوده والمنكر اعتقاد وجود غيره معه، فلم يأمره بذلك المعروف لحصوله ونهاه عن المنكر لأنه ورد في التفسير أن ابنه كان مشركا فوعظه ولم يزل يعظه حتى أسلم، وأما ههنا فأمر أمرا مطلقا والمعروف مقدم على المنكر ثم قال تعالى: * (واصبر على ما أصابك) * يعني أن من يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يؤذي فأمره بالصبر عليه، وقوله: * (إن ذلك من عزم الأمور) * أي من الأمور الواجبة المعزومة أي المقطوعة ويكون المصدر بمعنى المفعول، كما تقول أكلي في النهار رغيف خبز أي مأكولي.
* (ولا تصعر خدك للناس ولا تمش فى الارض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور) *.
لما أمره أمره بأن يكون كاملا في نفسه مكملا لغيره وكان يخشى بعدهما من أمرين أحدهما: التكبر على الغير بسبب كونه مكملا له والثاني: التبختر في النفس بسبب كونه كاملا في نفسه فقال: * (ولا تصعر خدك للناس) * تكبرا * (ولا تمش في الأرض مرحا) * تبخترا * (إن الله لا يحب كل مختال) * يعني من يكون به خيلاء وهو الذي يرى الناس عظمة نفسه وهو التكبر * (فخور) * يعني من يكون مفتخرا بنفسه وهو الذي يرى عظمة لنفسه في عينه، وفي الآية لطيفة وهو أن الله تعالى قدم الكمال على التكميل حيث قال * (أقم الصلاة) * ثم قال: * (وأمر بالمعروف) * وفي النهي قدم ما يورثه التكميل على ما يورثه الكمال حيث قال: * (ولا تصعر خدك) * ثم قال: * (ولا تمش في الأرض مرحا) * لأن في طرف الإثبات من لا يكون كاملا لا يمكن أن يصير مكملا فقدم الكمال، وفي طرف النفي من يكون متكبرا على غيره متبخترا لأنه لا يتكبر على الغير إلا عند اعتقاده أنه أكبر منه من وجه، وأما من يكون متبخترا في نفسه لا يتكبر، ويتوهم أنه يتواضع للناس فقدم نفي التكبر ثم نفي التبختر، لأنه لو قد نفي التبختر للزم منه نفي التكبر فلا يحتاج إلى النهي عنه. ومثاله أنه لا يجوز أن يقال لا تفطر ولا تأكل، لأن من لا يفطر لا يأكل، ويجوز أن يقال لا تأكل