* (إن الله بكل شيء عليم) * أي يعلم مقادير الحاجات ومقادير الأرزاق وفي إثبات العلم ههنا لطائف إحداها: أن الرازق الذي هو كامل المشيئة إذا رأى عبده محتاجا وعلم جوعه لا يؤخر عنه الرزق، ولا يؤخر الرازق الرزق إلا لنقصان في نفوذ مشيئته كالملك إذا أراد الاطعام والطعام لا يكون بعد قد استوى، أو لعدم علمه بجوع العبيد الثانية: وهي أن الله بإثبات العلم استوعب ذكر الصفات التي هي صفات الإله ومن أنكرها كفر وهي أربعة الحياة والقدرة والإرادة والعلم وأما السمع والبصر والكلام القائم به من ينكرها يكون مبتدعا لا كافرا، وقد استوفى الأربع، لأن قوله: * (خلق السماوات والأرض) * إشارة إلى كمال القدرة، وقوله: * (يبسط الرزق لمن يشاء) * إشارة إلى نفوذ مشيئته وإرادته، وقوله: * (إن الله بكل شيء عليم) * إشارة إلى شمول علمه، والقادر المريد العالم لا يتصور إلا حيا، ثم إنه تعالى لما قال: * (الله يبسط الرزق) * ذكر اعترافهم بذلك فقال:
* (ولئن سألتهم من نزل من السمآء مآء فأحيا به الارض من بعد موتها ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون) *.
يعني هذا سبب الرزق وموجد السبب موجد المسبب، فالرزق من الله، ثم قال تعالى: * (وقل الحمد لله) * وهو يحتمل وجوها أحدها: أن يكون كلاما معترضا في أثناء كلام كأنه قال: فأحيا به الأرض من بعد موتها * (بل أكثرهم لا يعقلون) * فذكر في أثناء هذا الكلام * (الحمد) * لذكر النعمة، كما قال القائل: إن الثمانين وبلغتها * قد أحوجت سمعي إلى ترجمان الثاني: أن يكون المراد منه كلاما متصلا، وهو أنهم يعرفون بأن ذلك من الله ويعترفون ولا يعملون بما يعلمون، وأنت تعلم وتعمل فكذلك المؤمنون بك فقل الحمد لله وأكثرهم لا يعقلون أن الحمد كله لله فيحمدون غير الله على نعمة هي من الله الثالث: أن يكون المراد أنهم يقولون إنه من الله ويقولون بإلهية غير الله فيظهر تناقض كلامهم وتهافت مذهبهم * (فقل الحمد لله) * على ظهور تناقضهم * (وأكثرهم لا يعقلون) * هذا التناقض أو فساد هذا التناقض.
قوله تعالى * (وما هذه الحيوة الدنيآ إلا لهو ولعب وإن الدار الاخرة لهى الحيوان