الله الذي خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائهم من يفعل من ذلكم من شئ سبحانه وتعالى عما يشركون ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون نظرا إلى الرحمة، وعشر قصور مثله نظرا إلى الفضل. مثاله في الشاهد، ملك عظيم قبل من عبده هدية قيمتها درهم لو عوضه بعشرة دراهم لا يكون كرما، بل إذا جرت عادته بأنه يعطي على مثل ذلك ألفا، فإذا أعطى له عشرة آلاف فقد ضاعف له الثواب.
* (الله الذى خلقكم ثم رزقكم ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركآئكم من يفعل من ذلكم من شىء سبحانه وتعالى عما يشركون) *.
قوله تعالى: * (الله الذي خلقكم) * أي أوجدكم * (ثم رزقكم) * أي أبقاكم، فإن العرض مخلوق وليس بمبقي * (ثم يميتكم ثم يحييكم هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء) * جمع في هذه الآية بين إثبات الأصلين الحشر والتوحيد، أما الحشر فبقوله: * (ثم يحييكم) * والدليل قدرته على الخلق ابتداء، وأما التوحيد فبقوله * (هل من شركائكم من يفعل من ذلكم من شيء) *. ثم قال تعالى: * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * فقوله سبحانه أي سبحوه تسبيحا أي نزهوه ولا تصفوه بالإشراك، وقوله: * (وتعالى) * أي لا يجوز عليه ذلك وهذا لأن من لا يتصف بشيء قد يجوز عليه فإذا قال سبحوه أي لا تصفوه بالإشراك، وإذا قال وتعالى فكأنه قال ولا يجوز عليه ذلك.
* (ظهر الفساد فى البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون) *.
وجه تعلق هذه الآية بما قبلها هو أن الشرك سبب الفساد كما قال تعالى: * (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) * (الأنبياء: 22) وإذا كان الشرك سببه جعل الله إظهارهم الشرك مورثا لظهور الفساد ولو فعل بهم ما يقتضيه قولهم: * (لفسدت السماوات والأرض) * (المؤمنون: 71) كما قال تعالى: * (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا) * (مريم: 90) وإلى هذا أشار بقوله تعالى: * (ليذيقهم بعض الذي عملوا) * واختلفت الأقوال في قوله: * (في البر والبحر) * فقال بعض المفسرين: المراد خوف الطوفان في البر والبحر، وقال بعضهم عدم إنبات بعض الأراضي وملوحة مياه البحار، وقال آخرون: المراد من البحر المدن، فإن العرب تسمى المدائن بحورا لكون مبنى عمارتها على الماء ويمكن أن يقال