المسألة الثانية: قد ذكرنا أن الصالح باق والصالحون باقون وبقاؤهم ليس بأنفسهم بل بأعمالهم الباقية فأعمالهم باقية والمعمول له وهو وجه الله باق، والعاملون باقون ببقاء أعمالهم وهذا على خلاف الأمور الدنيوية، فإن في الدنيا بقاء الفعل بالفاعل وفي الآخرة بقاء الفاعل بالفعل.
المسألة الثالثة: قيل في معنى قوله: * (لندخلنهم في الصالحين) * لندخلنهم في مقام الصالحين أو في دار الصالحين والأولى أن يقال لا حاجة إلى الإضمار بل يدخلهم في الصالحين أي يجعلهم منهم ويدخلهم في عدادهم كما يقال الفقيه داخل في العلماء.
المسألة الرابعة: قال الحكماء عالم العناصر عالم الكون والفساد وما فيه يتطرق إليه الفساد فإن الماء يخرج عن كونه ماء ويفسد ويتكون منه هواء، وعالم السماوات لا كون فيه ولا فساد بل يوجد من عدم ولا يعدم ولا يصير الملك ترابا بخلاف الإنسان فإنه يصير ترابا أو شيئا آخر وعلى هذا فالعالم العلوي ليس بفاسد فهو صالح فقوله: تعالى لندخلهم في الصالحين) * أي في المجردين الذين لا فساد لهم.
قوله تعالى * (ومن الناس من يقول ءامنا بالله فإذآ أوذى فى الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ولئن جآء نصر من ربك ليقولن إنا كنا معكم أو ليس الله بأعلم بما فى صدور العالمين * وليعلمن الله الذين ءامنوا وليعلمن المنافقين) *.
نقول أقسام المكلفين ثلاثة مؤمن ظاهر بحسن اعتقاده، وكافر مجاهر بكفره وعناده، ومذبذب بينهما يظهر الإيمان بلسانه ويضمر الكفر في فؤاده، والله تعالى لما بين القسمين بقوله تعالى: * (فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) * (العنكبوت: 3) وبين أحوالهما بقوله: * (أم حسب الذين يعملون السيئات) * (العنكبوت: 4) إلى قوله: * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات) * (العنكبوت: 7) بين القسم الثالث وقال: * (ومن الناس من يقول آمنا بالله) * وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال: * (ومن الناس من يقول آمنا) * ولم يقل آمنت مع أنه وحد الأفعال التي بعده كقوله تعالى: * (فإذا أوذي في الله) * وقوله: * (جعل فتنة الناس) * وذلك لأن المنافق كان يشبه